في الرُبع الأخير

على أهمية التطورات الميدانية والسياسية التي سُجّلت وتُسجّل في الشأن السوري وخصوصاً ما شهدته قمة الدوحة التاريخية، وتقدم قوات المعارضة باتجاه إحكام الحصار على معاقل سلطة بشار الأسد في دمشق تمهيداً للإطباق عليه، فإن ربع الساعة الأخير في هذه المنازلة الكبرى، قد يكون موازياً في أكلافه وظروفه، لكل ما سبق منذ منتصف آذار 2011.
"المنطق" الأسدي الواضح تماماً، لا يترك مجالاً لأي افتراض آخر: ستحاول التركيبة السلطوية القتال حتى آخر نفس. وسيعني ذلك إظهار شراسة أفظع مما سبق. وارتكابات مهينة للبشرية ومعانيها وظواهرها أكثر مما سجلته آلتها حتى اليوم. وتدميراً متشفيّاً وانتحارياً أعنف مما حصل في باب اعمرو وحلب وضواحي دمشق..ستبقى تلك السلطة "وفيّة" لشعارها، وستحاول تنفيذه بدقّة: نحن أو لا أحد!
ستحاول ذلك كله. إلا إذا جوبهت بكمّاشة سياسية متممة للواقع الميداني. بمعنى ان داعميها الروس والإيرانيين يمكنهم في اللحظة المناسبة والساعة السمّاعة، وفي سياق العمل على تقليل خسائرهم وعدم جعلها أمثولة باهظة التكاليف والتداعيات في المصالح والأدوار الآنية والاستراتيجية "إفهام" تلك السلطة ورأسها، أن الأمر انتهى. وان الاستمرار في القتال يعني الانتحار. وان الانتحار هذا مصطلح غريب على صنّاع القرار في الدول التي تحترم نفسها والتي تعمل في أول المطاف وآخره، تبعاً لبوصلة مصالحها وليس تبعاً لنبضات عواطفها. وإن من بديهيات ذلك، أن تعرف كيف "تنظّم" خسائرها طالما انها عاجزة عن الحفاظ على مكاسبها، أو ما تفترضه كذلك.
لم يعد الأمر يحتاج إلى مؤشرات إضافية، لا في السياسة ولا في الميدان: السلطة الأسدية انتهت، وإن كانت أدواتها الأمنية والعسكرية لا تزال تمعن في عبثها التدميري وتزيد من وقع مأساة سوريا وأهلها. وتضخّم الأكلاف في البشر والعمران. وترسّخ تغييب الدور المحوري والمركزي لهذه الدولة في المنطقة وخارجها.. وذلك في مجمله مركون في حساب التاريخ والمسؤوليات في خانة الأسد وبطانته، وليس في خانة شعب سوريا وقواه المقاتلة..والأسطورية.
..أما الهلوسة التنظيرية الممانعة فلها على الدوام ريادة النظر إلى التاريخ بالمقلوب والاصطفاف الغاشي في خانة القاتل في مواجهة الضحية، والغلط في مواجهة الصح.
ويكفيها في خطوطها "الفكرية" العريضة ذلك التناقض البائس في بحثها عن الحرية وسط أنظمة الجلاوزة والقتلة والمستبدّين. وعن العدالة الاجتماعية وسط تركيبات سلطوية نُخِرت حتى العظم، بفسادها واحتكارها مقدرات دولها وثرواتها وتبديدها على "رؤاها" التي لم تتصدى لتحديات التنمية والعمران ولم تحرّر في المحصّلة شبراً واحداً من أرض محتلة، بل "أنتجت" ما عجزت عن إنتاجه أعتى الحالات العدائية: حطّمت دولها وحولتها خراباً. وقضت على ماضيها وحاضرها ومستقبلها دفعة واحدة!
ظواهر صوتية ممانعة، لها بؤس التيه، و"شرف" العته الحتمي..وأي بؤس؟!

السابق
الشرق الأوسط: الجيش السوري الحر لا يتدخل بالعمل السياسي
التالي
كيف نتعامل مع الإسلام السياسي؟