قلعة دوبيه وشقرا الصليبية سقطت أسيرة الإهمال

انكب أخيراً فريق من المعهد الفرنسي للشرق الاوسط التابع للسفارة الفرنسيّة على درس تاريخ قلعة دوبيه وشقرا بغية اكتشاف المراحل التي مرت فيها. هذه الدراسة التي جاءت للاضاءة على التاريخ المهم لهذه القلعة، حصلت من باب الصدفة، إذ كان عالم الآثار الفرنسي سيريل يوفيتشيتس وفريقه، يتابعون دراسة ميدانيّة لقلاع مماثلة في سوريا ضمن برنامج المعهد.
لكن الوضع الأمني في سوريا أرغمهم على الإنتقال قسراً الى بيروت، وجعلهم يقررون درس وضع قلعة دوبيه وشقرا. فقاموا بطرح الفكرة على المعهد وعلى المديرية العامة للآثار التي اهتمت بالأمر، بالتعاون مع وزارة الثقافة وبلدية شقرا. هكذا، ولدت فكرة البحث بعمق عن تاريخ هذه القلعة، وانقسمت الدراسة الى جزءين: تمّ اولاً درس الجزء العلوي في مطلع 2012 لمدة 6 أسابيع، ثم استكمل الجزء الثاني في العام نفسه عبر حفريات داخل القلعة وخارجها لاكتشاف المزيد من المعلومات التاريخيّة.
لهذه الغاية، طلبت بلدية شقرا المساعدة من الكتيبة النباليّة التي قام 65 عنصراً منها بتنظيف القلعة، تسهيلاً لمهمة الفريق الفرنسي في انجاز دراسته، ثم غرسوا محيطها بأشجار " البارلينا" النباليّة.

من ابرز قلاع جبل عامل
تعد قلعة دوبيه وشقرا من أهم قلاع جبل عامل، وتشرف على قلعتي الشقيف وتبنين. يعود تاريخها الى القرن الحادي عشر، علماً أنها قلعة صليبيّة أساساً ارتفعت على انقاض مبنى روماني. حملت اسم دوبيه تيمّناً باسم القائد الصليبي فرنسوا دي بويون الذين حكم المنطقة في القرن الثاني عشر وأقام فيها، أو نسبة الى لفظة آرامية من كلمتين "دو ـــ بيّه" وتعني "بيت الخوابي" أو مستودع خوابي الزيت. يبلغ طولها 125متراً وعرضها 80 متراً، وتضم ثلاث طبقات احداها مهدمة؛ وفي الطبقتين الباقيتين 32 حجرة وحصون من جميع الجهات. كذلك، تضم بئراً تعرف بالمشنقة، اضافة الى آبار مياه عميقة ومنها بئر كبيرة حفرت في الصخر الأصم لا تزال موجودة حتى اليوم. تحتوي أيضاً على خندق كبير ويحوطها واد من الجهات الثلاث، اضافة الى سور منيع يعرف بـ"الزنار"، تلفه أرض تسمّى مرج السّت، لجهة حولا.

صمدت رغم الغزوات
صدّت الحصون المنيعة للقلعة غزوات وحروباً عدة على امتداد خط القوافل من عكا الى حوران، علماً أمها كانت ممراً ومحطة للقوافل التجارية. شنّت عليها غزوّات عدة في الحقبتين الرومانيّة والصليبيّة، فهدمت عمداً بعض حصونها وعقودها من اقسامها العالية ( قمة العقد)، إذ أن المحاربين كانوا يقومون بهذه الخطوة لدى مغادرتهم القلاع والحصون، خوفاً من سيطرة العدو عليها والتحصّن في داخلها.
رممت القلعة في الحقبة المملوكيّة، كذلك أعيد تأهيلها في التاريخ المعاصر على يد آل علي الصغير الذين سكنوها في عهد ناصيف النصار، علماً أن البناء الذي شيّدوه يختلف عن بنائها الاصلي. بعد تلك الفترة، استخدمت كملجأ للامير يونس المعني وولديه ملحم وحمدان الذين هربوا من وجه الكجك أحمد باشا والي صيدا عندما زحف بعسكره لمحاربة أخيه فخر الدين الذي فرّ إلى قلعة شقيف تيرون عام 1044. إبّان الاحتلال الاسرائيلي لقسم من جنوب لبنان، تحوّلت القلعة "خط تماس" وموقعاً للقصف والمواجهات، فأهملت وتبعثرت حجارها وغزاها العشب وباتت أسيرة الإهمال. وحده سورها الخارجي، بقي صامداً في وجه العوامل الطبيعيّة. ورغم وضعها المزري، استمرت في لفت الانتباه، كونها تحظى بأهميّة تاريخيّة وأثريّة، علماً أن الكتيبة النبّالية استخدمتها أكثر من مرة في احتفالات تقليد الأوسمة. الآمال باتت معقودة حالياً على الدراسة الميدانيّة التي ينجزها معهد الفرنسي للشرق الأوسط عن القلعة، فيما ينتظر أن تترجم نتائجها أفعالاً وبرنامجاً يؤدي الى إعادة تأهيلها، مما يبرز مجدداً قيمتها الاثريّة والتاريخيّة.  

السابق
مركز خنساء فلسطين: جهاديات رغم كل شيء
التالي
مصابيح على الطاقة الشمسية من الكتيبة الاسبانية