الصورة

حالما تستدعي تلك القطعة الورقية فأنت تستدعي معها جملة أدوات في الذاكرة، تفصل بينها مسافة زمن مضى، تأخذك إلى حقول أحداث وكواكب أفكار وخيمات أفراح ومدن أناس وأنهار تفاصيل عتية، لقد كونت بداخلنا قوس قزح ذكريات بجميع ألوان الفرح والقرح وعادت بنا إلى خلايا حساسة في ذاكرتنا حتى أنها زارت مناطق بعيدة في – ذاكرة النسيان.
تمسكها بيدك وكأنك تمسك بفرو ناعم الملمس، تنظر إليها بعينين متسعتين بل أشد اتساعاً من نظرة الدهشة لكأن من في الصورة أشخاصاً وأشياء من وحي العجب ولكأنك أنت لست بأنت ولا الثياب التي ترتديها لشخص ممتد منك، أنت الآن متورط بذاتك القديمة، بمدينتك العتية، بأشيائك الثمينة المفقودة، أنت متورط بزمن آخر يسبق لحظتك الآتية .

مهلاً ….
قليلاً من الماء تود الآن، تطلب شخصاً يرى معك الصورة وكأنك تطلب منه تفسير أشياء لم تلاحظها بعد، تسأله بقهقهة متغابية من هذا الشخص الذي هو أنت، تقترف أمامها أكبر حماقاتك التاريخية إنها الصورة…. أو بالأحرى تلك الحياة الجامدة في ورقة لكأنها بكتيريا مثبتة على زجاجة اختبار .
أنت الآن مشرد في زمن مضى .

الصورة: هي أن تجمد اللحظة الزمنية بكل ما تحمله من ماء هواء سماء أشياء وعفوية تمقتها أو تحبها إنسيابية المستقبل في ماضيك، قرح وفرح في آن واحد ولقطة واحدة، أشخاص مروا في ذاكرتك، مروا فوق جسدك، زرعوا أنفسهم وربما رحلوا إلى مرحلة ما بعد الحياة

حين تلتقط الصورة أنت هنا تستغني عن لحظات في حياتك لتتمكن من إنقاذ لحظة جميلة قد تصبح بعد ذلك امتداداً للحظات أخرى، أو بطاقة دعوة لأزمنة مضت و لن تعاد .

الصورة ببساطة هي حياة جامدة بجميع تفاصيلها .
بلاغة في صمتها لا يحكيها الكلام.
  

السابق
كيم كارداشيان تجهض
التالي
رئيس بلدية القليلة جمال شبلي: بلدتنا تشهد حركة إنمائية جيدة