انتفاضة ثالثة

تتحسّب إسرائيل من انتفاضة فلسطينية ثالثة لم تتوقف منذ العام ثمانية وأربعين بأشكال مختلفة، وهي مفروضة منذ الاحتلال بموجب ميثاق الأمم المتحدة المانع لاحتلال أرض الغير بالقوة، ولن تهدأ حتى استعادة الوطن وما تعرض للسلب والقضم المستمرين بتوسيع بؤر الاستيطان والتهويد والتهجير، وهذا ما يجب على تل أبيب أن تعلمه بحكم التاريخ والجغرافيا، حيث انتصرت دول عديدة على الاستعمار والانتداب ورفعت راية النصر والحرية.
وتحسّب إسرائيل من انتفاضة ثالثة شعور منها بأن جرائمها قتلاً وتدميراً لن تكون من دون عقاب، وجديدها وليس آخرها استشهاد الأسير الفلسطيني عرفات جرادات تحت التعذيب، كما أثبت الكشف الطبي، في وقت يُهدّد الصوم عن الطعام لفترة طويلة حياة العديد من المعتقلين من دون محاكمة عادلة، بل ممارسة التعذيب غير المبرر وهو يتعارض مع شرعة حقوق الإنسان، ويوجب على المجتمع الدولي اتخاذ موقف حازم يدين المعتدي ويفرض عقوبات عليه.
وتمثل الجريمة الإسرائيلية الجديدة إشارة واضحة إلى إفشال جولة الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أن تبدأ، وكذلك وزير خارجيته جون كيري الذي باشر مهمته الدولية والعربية أمس من لندن، وهو يشعر مسبقاً أنه لن يتمكن من ثني إسرائيل عمّا تتشبث به في وجه عملية السلام والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، ولا التوقف عن الاستيطان اعتقاداً منها بأن واشنطن سبق وتراجعت، غير مرّة، عن تعهد أعلنت عنه، خصوصاً اعتراف الرئيس أوباما بعجزه عن إقناع نتنياهو بتجميد الاستيطان ولو لثلاثة أشهر، فسحاً في المجال لاستئناف المفاوضات المباشرة.
ثم أن كيري يواجه أيضاً ما هو سائد في بلاده من خلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين حول تقليص عجز الموازنة لخفض النفقات والدين العام البالغ ستة عشر تريليون دولار، وهو رقم يُهدّد بإجراءات اجتماعية وعسكرية بدأت باستعادة مئات الألوف من الجنود في العراق وأفغانستان والمنطقة، وكذلك البوارج الحربية بصورة خاصة، الأمر الذي يحد من فاعلية رئيس الدولة لتحقيق ما كان يتوقعه منذ إعطائه إشارات لانتهاج سياسة جديدة في ولايته الثانية تقربه من الدول والشعوب، وتعرف إسرائيل كيف تضغط على أميركا ومتى، وكذلك على الدول العربية، مستفيدة من اضطرابات سياسية تعاني منها دول الربيع العربي الذي يتعرّض لرياح قاسية قبل أن يُزهر ويُثمر.
واهتمام أميركا بأزمة سوريا يتصف بالتريث، وكأنها تراهن على مزيد من الدماء والدموع والدمار، وعسى أن تُحرز محادثات كيري ونظيره الروسي لافروف توافقاً حول إخراج بلد عربي، ذي تأثير على مجريات الحوادث وطنياً وقومياً، من معاناة تجاوزت شهرها الثالث والعشرين، وكل التوقعات توحي بعدم التفاهم على حل أي من المشاكل المطروحة، لا سيما العجز عن ضغط يُمارس على إسرائيل.

السابق
تصعيد النار والمفاوضات في سوريا
التالي
عباس: جرادات تعرض للتعذيب وإسرائيل تريد الفوضى