راميا قرية حدودية مهجورة

تكاد تظن وأنت تتجول في شوارعها أن هذه القرية خالية من سكانها رغم كثرة البيوت فيها والممتدة على مساحة 617 هكتاراً. لكن بين الحين والآخر، وعندما يطالعك طفل يلعب مع أقرانه، أو عجوز يتكئ على عصاه ويمشي بخطى متثاقلة تعرف أن أهل هذه القرية المقيمين فيها هم بمعظمهم من الشيوخ والأطفال، ممّا أفقدها نشاطها. هي راميا، بلدة حدودية لا يعكر صفوة هدوئها أصوات دراجات نارية أو سيارات أو شباب يختالون في شوارعها. قرية كجاراتها من قرى الشريط الحدودي، تشكو غياب الحياة والشباب بسبب غياب مشاريع الإعمار والتنمية.

بيوت من دون سكان
يجلس الحاج موسى مرعي(70 عاما) في ساحة القرية الهادئة المطلة على مروج خضراء واسعة، المقابلة لموقع البلاط، يتكلم عن قريته راميا مستذكرا تاريخها" منذ القديم وراميا قرية صغيرة، لم تسكنها سوى بضع عائلات خلافاً لجارتها المحاذية لها عيتا الشعب." ثم يضيف "وفي زمن الإحتلال هرب منها أهلها. كان الشاب عندما يبلغ سن الرابعة عشرة يهرب باتجاه الأراضي المحررة خوفا من الإسرائيلي وعملائه، وتفاديا للتجنيد الإجباري الأمر الذي أفرغها من شبابها".
"ينتشر سكان قريتنا بمعظمهم في المدن، من صور حتى بيروت. والكثير منهم مهاجر في بلاد الإغتراب." يقول فياض عيسى (45 عاماً). ثم يضيف"لا يسكن في القرية هنا سوى 400 – 500 فرداً، بينما يتجاوز عدد الناخبين 5000 ناخباً. وجميع هذه البيوت الجميلة بنيت بعد التحرير، عندما عاد النازحون. لكنها للإصطياف فلا عمل في القرية، ولن يترك سكان المدن وظائفهم كي يسكنوا قريتهم."
هكذا تكثر البيوت في وسط القرية وعلى طريقها الرئيسي وعلى امتداد مساحاتها الواسعة، لكنّها بمعظمها خالية، ولا تسكنها الحياة سوى في أشهر الصيف، فيقتصر سكان القرية على حوالى 150 عائلة، معظمها من الأطفال والشيوخ.

والتبغ معيلهم الوحيد..
يعمل سكان القرية في زراعة التبغ. ويعتمدون عليها في تأمين قوت عيشهم. "نعمل جميعنا في زراعة التبغ، وإذا ضرب الموسم تراكمت الديون علينا بانتظار العام التالي. كما نزرع القمح والخضار، لكن من أجل مونتنا نحن لا أكثر" كما يقول عيسى.
فالتجارة في القرية شبه معدومة، تقتصر على بضع محلات سمانة، ومحل صغير لبيع الهواتف والخطوط الخليوية، ومحل آخر لبيع بعض الثياب." نذهب الى محلات عيتا الشعب لشراء احتياجاتنا. باتوا يعرفوننا ويروننا دائما عندهم. فمحلاتنا لا تفي باحتياجاتنا، وتقتصر دكاكيننا على السمانة، أي لا نستطيع تموين البيت."يقول محمد عيسى (40 عاما). ثم يرجع سبب ذلك الى "عدم تواجد السيولة الكافية لدى أهل القرية لتوسيع تجاراتهم أو لفتح محلات تجارية. فهم بالكاد يجدون قوت يومهم، وبالكاد يؤمّنون أقساط مدارس أولادهم." ثم يضيف"حتى لو فكّر أحد السكان بإنشاء مشروع تجاري ما، فإنه يفشل. لأنّ أهل القرية اعتادوا على قصد المحلات خارج القرية لأنهم يجدون فيها تشكيلة أوسع. فساعة واحدة في محلات عيتا الشعب تؤمن لنا جميع ما نحتاجه."
نحو مستقبل أفضل
بات واضحا في الفترة الأخيرة تزايد اهتمام أهل القرية بتعليم أبنائهم، ورفع المستوى الثقافي لهم من أجل تأمين حياة أفضل في المستقبل. فيقول عيسى"نعمل كل العام من أجل تأمين لقمة عيش أبنائنا وأقساط مدارسهم التي ندفعها بعد بيع موسم التبغ. فنحن نؤمن بأن التعليم فقط هو من سيطور قريتنا، وأبناؤنا المتعلمون هم أصحاب المستقبل الواعد الذي سيحرك نشاط قريتهم." يتكلم الرجل بفخر وأسى عن ابناء القرية "المتعلمين" الذين يعيشون في المدن" ثمة مجموعة كبيرة من أصحاب الإختصاصات، لكنهم يعيشون في المدن. فالمهندسون والأطباء والمعلمون لا يجدون عملا في القرية، رغم أنها بحاجة اليهم. كلما احتاجت مدرستنا الرسمية استاذا طلبته من خارج القرية بسبب غياب الكفاءات والقوى العاملة المتعلمة الشابة، وكلما احتجنا طبيبا لجأنا الى القرى أو المدن المجاورة. لذا أتمنى أن يحقق الجيل الجديد الإكتفاء شبه الذاتي للقرية.

طلب العلم.. خارج القرية
ينظر الحاج سعيد عيسى الي التل المقابل لبيته. هناك حيث تتربع المدرسة الرسمية للبلدة، ليقول "ذلك المبنى الكبير هو المدرسة الرسمية حيث يتعلم أطفالنا." لكنّ المفاجأة تكمن في قلة عدد هؤلاء الأطفال قياسا الى العدد الكبير الذي يتوزع على مدارس عيتا الشعب ورميش وبنت جبيل. يفسر عيسى هذا التوزع ب"عدم ثقة أهالي القرية بتعليم مدرستهم، رغم تطور أداء الطاقم التعليمي فيها الذي بات يعتمد على المعلمين الشباب. لكنّ الفكرة السائدة عندنا هي أنّ مدرستنا لن تنتج لنا الجيل المتعلم الذي نريد، ولسنا على استعداد للتضحية بمستقبل أبنائنا." هكذا، بات تلاميذ المدرسة يقتصرون على "التلاميذ الذين لا يستطيع ذويهم تسجيلهم في مدارس القرى المجاورة بسبب كلفة المواصلات والأقساط. ورغم أن المدرسة فتحت هذا العام صف التاسع، إلا أنّه ما يقارب المئة وخمسين تلميذا يذهبون يوميا الى المدارس الخاصة والرسمية خارج القرية، حيث نضمن بحد أدنى إخراجهم من الأمية، ووضعهم في الطريق الصحيح الذي يؤهلهم دخول الجامعة".

غياب مشاريع التنمية
يجمع أهل القرية على جودة تربة بلدتهم، وغناها بالمروج الخضراء الواسعة التي لم تأكلها طبقات الإسمنت بعد، ممّا يشكل أهم ميزات القرية. لكنّ هذه "الثروة" لم توسّع الزراعات الإنتاجية، ولم تخلق فرصا للعمل، والسبب"مين بدو يوسع ومين بدو يموّل" كما يقول فياض عيسى. ويضيف"نحن بحاجة الى دعم. لا نستطيع لوحدنا التفكير بتوسيع زراعي ما أو مشاريع جديدة إن لم يتوفر المال أو فريق مدبر." وماذا عن البلدية والأحزاب؟" يقتصر عمل البلدية على بناء الجدران. ونشاط الأحزاب غير فعال كما يجب. بنى حزب الله مبنى رياضياً وجهزه بآلات حديثة، فبات يستقطب الشباب من قريتنا والقرى المجاورة، يقضون فيه وقتا للتسلية. أما المشاريع التنموية فغائبة غياباً تاماً." كما يقول.
  

السابق
إيران وإسرائيل والثورة السورية
التالي
امرأة من قسنطينة