حزب الله وثنائياته المتعبة

إتهام الحكومة البلغارية لحزب الله بتفجير حافلة في بورغاس، اسفر عن مقتل خمسة اسرائيليين وسائق الحافلة في تموز 2012، ورقة ابتزاز اسرائيلية للاتحاد الاوروبي، تتيح للحكومة الاسرائيلية المساومة عليها في ملفات عدة مع الحكومات الاوروبية.

فلطالما كانت اسرائيل بارعة في التوظيف السياسي لمثل هذه العمليات على اكثر من مستوى. براعة توفر لها دعما وحصانة لسياساتها الخارجية والامنية والى نظرتها للتسوية مع الفلسطينيين، عبر استثمارها مثل هذه العمليات الامنية التي تستهدف مدنيين، وهي تدرج في سياق العمليات الارهابية، لإسقاط ما يمكن من اعتراضات دولية واوروبية على سياساتها وسلوكها العدواني والإستيطاني.

وما يعزز من هذا المسار،الى المواقف الاوروبية المترددة والمتحفظة، عدم ترجيح جهة دبلوماسية غربية في لبنان تبني الاتحاد الاوروبي مطلب ادراج حزب الله على اللائحة الاوروبية السوداء، رغم الاحراج الذي يسببه هذا التفجير لفرنسا والمانيا غير المتحمستين لمثل هذه الخطوة. لكن ذلك لا يوفر على الحكومة اللبنانية معركة دبلوماسية وربما قانونية لجهة التعامل مع نتائج هذا الاتهام على اكثر من صعيد، خصوصا ان هذا الاتهام سيوفر المزيد من المواقف العدائية لحزب الله دوليا، وسيزيد من منسوب الضغوط الدبلوماسية والسياسية على الحكومة اللبنانية للالتزام بمقتضيات العلاقة مع الاتحاد الاوروبي.

وهي ضغوط ستزيد من منسوب الدعم الاوروبي للمحكمة الخاصة بلبنان، المرشحة للالتئام في الاشهر المقبلة، بما يضفي على اجراءاتها تجاه المتهمين المنتمين الى حزب الله دعما معنويا وصدقية، طالما كانت محل تشكيك من بعض الجهات اللبنانية وغير اللبنانية. كل ذلك يوفر لاسرائيل اوراقاً اضافية لمحاولة تقويض ما تراكم من بناء الثقة وترسيخها بين الاتحاد الاوروبي عموما وحزب الله. فهذه "العملية الارهابية" التي استهدفت مدنيين، وإن كانوا اسرائيليين،لا تندرج في اطار العمليات التي يمكن لأي كان وحتى لحزب الله أن يفاخر بها. هي في نهاية الامر طالت مدنيين لا مسؤولا عسكريا او شخصية اسرائيلية امنية. ما يطرح التساؤل حول المكاسب التي تحققها مثل هذه العملية في مقابل الصورة السيئة والخسائر التي تسببها للبنان، وحزب الله تحديدا.

خطورة اتهام حزب الله بالوقوف وراء هذه العملية، الذي تبنته معظم الدول الاوروبية، هو ما دفعه الى الرد الهادئ واحالة ما يجري من اتهامات الى حملة تشويه اسرائيلية تشن ضده. وخطورته ايضا في ان هذه العملية تأتي من خارج السياق الذي يروج له بانه حزب لبناني يضع في اولوياته بناء الدولة والاندراج ضمن النطاق اللبناني، ويحصر اهتمامه بالدفاع عن لبنان، من دون ان يورّط الدولة اللبنانية في امور لا تستطيع تحمل تبعاتها. وهو اتهام تزداد تبعاته مع دخول حزب الله في التكوين الحكومي للدولة اللبنانية، ما يجعل من هذه المهام الامنية الخارجية غير منسجمة مع الموقع الذي يحتله رسميا.

بين ما قالته وتقوله قيادة حزب الله ونوابه ووزراؤه، أمام العديد من الدبلوماسيين، عن اولويته اللبنانية، وما يقوله زعيمه على هذا الصعيد منذ سنوات، يتساءل دبلوماسي غربي عن حقيقة وجود ثنائية امنية – سياسية لكل من طرفيها برنامج منفصل، معتبرا ان هذا السلوك الامني النافر في بلغاريا لا ينسجم مع الموقع السياسي الذي هو فيه اليوم. فهل ان المرجعية السياسية في حزب الله لا تتحكم بمرجعية امنية مقابلة لها وتتسم بصفة قيادية ايضا؟

ثنائية الامن والسياسة داخل حزب الله، التي شكل تفجير بلغاريا مثالا لها في نظر البعض، مرشحة لأن تبرز أكثر كلما انخرط حزب الله في العمل الحكومي واراد التقيد بمقتضيات المصلحة اللبنانية التي قد تتعارض مع قناعات وثوابت ايديولوجية لديه، باعتبار ان الانخراط في الدولة، والهامش الذي كان يتيح له التفلت من بعض شروط الدولة، زال مع دخوله الى الحكومة في العام 2005 وهو بات اكثر من اي وقت امام ضرورة حسم الثنائية الايرانية – اللبنانية بالمعنى الفكري السياسي، باعادة النظر في تفسير ولاية الفقيه… وحسم ثنائية الامن والسياسة بتغليب السياسة على الامن وجعل الامن في خدمة السياسة وليس العكس.

هذه الثنائيات باتت تثقُل على حزب الله، كما هي حال استمرار ثنائية السلاح الشرعي وغير الشرعي في لبنان… أياً كانت مسميات الاخير.
  

السابق
الشرق الاوسط: هيومان رايتس قلقة من وضع النازحين السوريين
التالي
الرسالة البلغارية وصلت وحزب الله يعرف الباقي!