لا مناص آخر في مواجهة ايران

تكلف الحرب مالا ويكلف الاستعداد للحرب أكثر بكثير. إن اسرائيل منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي كانت تنفق مبالغ ضخمة على مواجهة التهديد الايراني. وإن جزءا من النفقة معلوم معروف ويأتي جزء من مواد ثانوية في ديوان رئيس الوزراء. وكلما تقدم الزمن تقدم الايرانيون أكثر لاحراز سلاح ذري، وهكذا أنفقنا نحن أكثر على الاستعداد. كان يُفضل في عالم كامل ان نستعمل هذا المال من اجل الرفاهية وخفض الضرائب، بيد ان عالمنا غير كامل فنحن نحيا في الشرق الاوسط.
إن مشكلتي مع كلام اولمرت على ان نتنياهو أضاع مليارات الدولارات على استعداد لهذيانات، هي انه هو أكثر من كل شخص آخر يفهم ويعلم انه لا يمكن غير ذلك. فحينما يتم الاستعداد للحرب لا توجد هذيانات بل توجد خطط يتحقق بعضها ولا يتحقق بعضها الاخر. ونقول بالمناسبة انه حينما نستعد لسلام كالذي يتحدث عنه اولمرت توجد تكاليف وتوجد هذيانات. لكن هذا شأن آخر.
حينما أراد ايهود اولمرت، كما نشر في الأنباء ان يهاجم المفاعل الذري في سورية وهو قرار شجاع ومناسب بحسب جميع الآراء بحث عن مساعدة امريكية. فتوجه اولمرت الذي حافظ على خط ساخن مع واشنطن بخلاف نتنياهو، توجه الى بوش وحصل على جواب بالرفض. وأراد بوش ان ينقل المعلومة الى لجنة الطاقة الذرية وان يُلاشي الهجوم فكانت النتيجة ان عملت اسرائيل وحدها وكانت الاستعدادات وثمن الاستعداد لتلقي ضربة مضادة، كانا على حساب خزينة المالية.
ووجد نتنياهو نفسه في بداية توليه لرئاسة الوزراء في وضع مشابه. فقد أقامت الولايات المتحدة اشارة قِف للنشاط العسكري في مواجهة ايران. اجل إنهن صديقات غير صديقات فقد غلبت المصلحة الامريكية حاجة اسرائيل الى منع ايران من السلاح الذري. فلم يكن لنتنياهو آنذاك وليس له الى الآن مناص سوى ان يستعد لعملية مستقلة.
يمكن ان ننتقد نتنياهو على مسار اتخاذ القرارات وعلى السيجار والويسكي والشره والنظرة القيمية لشتى الموضوعات. ويمكن ان ننتقده ايضا من وجهة النظر الصقرية لأن هذه المهمة في اثناء ولايته خاصة مع عدم وجود قرار قد أصبحت معقدة وغير ممكنة تقريبا. ولا يمكن ان ننتقد نتنياهو على أنه أتم استعدادات تعني كلفة مالية. فللاعداد العسكري منتوجات يمكن ان يُقاس بعضها ولا يمكن ان يُقاس بعضها الاخر: فبناء القوة لعمليات بعيدة الأمد وتدريب الفرق وانشاء بنى تحتية والردع في الأساس لا يُقاس بمال.
عرفت هذه المعركة الانتخابية حيلا دعائية مختلفة عجيبة لكن الشأن الايراني بقي وبحق خارج الدائرة. وقد فعل نتنياهو بالضبط ما فعله اولمرت وما فعله شارون قبله للاستعداد لمواجهة ايران. وقد وقعت الكرة عنده لأن شارون واولمرت خاصة لم يقررا في زمانهما. إن ازالة التهديد الايراني مصلحة مشتركة للجميع ولم ينجح أحد الى الآن، واقترب نتنياهو من هناك شيئا ما بفضل حقيقة انه أخاف العالم وبفضل رغبة المجتمع الدولي في إحداث عقوبات لكف جماح اسرائيل. وسيُحكم على نتنياهو آخر الامر بامتحان النتيجة والى ذلك الحين لا توجد هذيانات ويوجد مشكلات كثيرة.
حينما يقرن اولمرت النقد السياسي بالمصلحة القومية يخطئ كما اخطأ آخرون معه بالضبط. ففي الاسبوع الماضي كان فايغلين هو الذي زعم على نحو هاذٍ ان اولمرت بدأ حرب لبنان الثانية لاسباب سياسية. وقد أثبت فايغلين انه غير متزن. ان اولمرت لا يستطيع ان يسمح لنفسه، رغم المطر السياسي، بأن يأوي الى المظلة نفسها.

السابق
لعنة النساء فيلم جديد
التالي
حملة بدون سروال بمترو الأنفاق