لا وقت للحب!

ما أن استنكر الرئيس محمد مرسي التحذيرات التي صدرت عن بعض رموز المعارضة حول تدهور أحوال الاقتصاد وإمكان دخول مصر مرحلة الإفلاس إذا لم تتخذ إجراءت فورية للتهدئة السياسية لإنعاش الأسواق وتدبير النفقات, إلا وصدرت عن جهات رسمية عدة، منها البنك المركزي، تقارير تؤكد مخاوف المعارضين وتتضمن أرقاماً مخالفة لتلك التي أعلنها الرئيس وهو يحاول طمأنة الناس بأن كل شيء على ما يرام وأن الأمر لا يتجاوز مجرد ضائقة وستمر!! أما في السوق أو في الشارع فكان الرد عملياً تماماً، إذ انخفض سعر الجنيه المصري بصورة أكبر من التي كان وصل إليها قبلها بأيام، وبلغ أدنى معدل له مقابل الدولار الأميركي منذ عشر سنوات. عموماً الأحوال الاقتصادية والحياتية المتدنية أمر لا يبعث على التفاؤل, وطالما استمر العراك السياسي فلا مجال للحديث عن تحسن اقتصادي.
هل يستطيع الرئيس مرسي أن يكمل مدة رئاسته الأولى «على خير» ويصلح أحوال الاقتصاد ويلبي مطالب الناس ويحسن مستوى الخدمات دون أن يقدم أي تنازلات, أو يبدي مرونة تجاه الرافضين له أو المعارضين لسياسته؟ وهل يستطيع حزب «الحرية والعدالة» أن يحافظ على الغالبية البرلمانية في الانتخابات المقبلة ويلقى القبول نفسه الذي كان يحظى به قبل الانتخابات الرئاسية في الشارع وبين أوساط الجماهير دون أن يغير من أسلوب تعامله مع القوى الأخرى؟ وهل تبقى جماعة «الإخوان المسلمين» ماضية في الطريق نفسه الذي تسير فيه وتحقق «للدعوة» أهدافها وهي تعتقد أن كل معارضة مؤامرة, وأن كل رأي مخالف تهديد, وأن كل منافسة عداوة؟ حتى الآن لا يبدو أن الرئيس أو حزبه أو جماعته لديهم النية لتغيير الأسلوب الذي يتعاطون به مع القوة الأخرى, ويبدو واضحاً أنهم يعتقدون أن يوماً سيأتي وستدرك المعارضة أنها على خطأ وستعود إلى رشدها وتلبي مطالب الرئيس!! وما يخرج عن مرسي والحزب والجماعة يُفهم منه أنهم مقتنعون تماماً بأن لا أحد في المعارضة لديه نوايا طيبة وأن هدف كل تحرك معارض سواء على مستوى الشارع أو حتى عبر البيانات أو تصريحات لرموز النخبة هدفه بالدرجة الأولى إفشال الرئيس وحرمان الحزب من الغالبية والحؤول دون تمكين الجماعة!! ورغم أم مرسي تراجع عن قرارات عدة منذ توليه السلطة, ودائماً ما برر له الحزب وطرح أسباباً للتراجع ودافعت الجماعة عن القرار أولاً ثم رحبت بإلغائه أو التراجع عنه ثانياً، فإن مسألة الوفاق الوطني, وهي هدف يتحدث عنه مرسي وحزبه وجماعته كثيراً، لا يبدو أنه سيتحقق؛ لأن لا الرئيس ولا الحزب ولا الجماعة لديهم أي نوايا للاستجابة لأي مطلب معارض أو حتى الوصول إلى قواسم مشتركة مع المعارضة بهدف التهدئة وتخفيف الاحتقان, وبالتالي سيظل الشارع ملتهباً والاقتصاد يتدهور وأحوال الناس تقترب من مرحلة الانفجار. يريد الرئيس من المعارضة أن تتحاور معه، لكن وفقاً لأجندته وبأسلوبه ومن دون أن يبدي لها أي مرونة أو يُقدم لها السبت حتى يلقى منها الأحد. وبغض النظر عن نوايا المعارضة وأهداف جبهة الإنقاذ أو حدود ما تقبل به القوى الثورية فإن المناخ الذي يعمل فيه الرئيس الآن لا يسر عدواً ولا حبيباً، ولا يمكنه بالتأكيد من المضي في الإصلاح، أو وضع خطط، أو السير في اتجاه تنفيذ استراتيجية، أو انتشال البلد من عثرتها، أو وضع حلول للعلاج ولملمة جراح المجتمع.
والمؤكد أن الأسابيع المقبلة ستشهد مزيداً من الاحتقان سينعكس على حركة الشارع بما سيُضر أكثر بالاقتصاد وحياة الناس وأحوالهم، فالانتخابات البرلمانية ستُجرى قبل أقل من ثلاثة شهور وسط هذه الحالة من الاستقطاب والعراك فهل تتحمل مصر ما يمكن أن تفرزه الانتخابات إذا جرت في ظل هذه الأجواء؟
قد يخرج الرئيس إذا ما ساءت الأوضاع بفعل التنافس في الانتخابات على الشعب متهماً المعارضين بأنهم المفلسون، أو أداروا مؤامرة، أو دبروا لإسقاطه، إلا أن جموع الناس وقتها لن يكون الصراع بين الرئيس وحزبه وجماعته من جهة ومعارضيهم من جهة أخرى ضمن أولوياتهم.
ينتظر الناس بادرة أمل تجاوز الخطب والأرقام الوردية وأحاديث الود والقبلات والأحضان، فالجائع لا وقت لديه للحب!  

السابق
سورية من عام الصمود إلى عام الانتصار؟
التالي
كرامة مواطن في روسيا