الإخوان وهيفاء وهبي والمثقف الفيروزي

لا يوجد حل منطقي وعملي وعقلاني كي ينجح إخوان مصر سياسيا في تجاوز كل العقبات السياسية التي تواجههم منذ نجاح السيد محمد مرسي في الوصول إلى سدة الحكم، سوى أن يتخلوا عن التفكير وفق طريقة الجماعة السرية المحظورة، ولا يمكن أن نلومهم لكونهم يتصرفون بهذه الطريقة، فهم ولأكثر من نصف قرن ظلوا يوصمون بأنهم جماعة دينية محظورة، وأصل تفكير الجماعات المحظورة يقوم على أساس الشك في نوايا الآخر أيا كان الآخر، فمنذ أن دخلت الجماعة في دائرة «الحظر» وهي ترى أي نظام قائم في البلد أو أي رئيس لمصر هو مثار شك وريبة، والتاريخ يثبت أن الإخوان كانوا حلفاء مقربين للزعيم الراحل جمال عبد الناصر والذي ما إن أرسى دعائم حكمه حتى انقلب عليهم، وبعدها بدأت وقائع الحرب المعلنة والسرية ضد الإخوان على يد رجال السلطة، وفي كتاب «محاكم التفتيش» الصادر في عام 1982 عرض مفصل للتعذيب الذي تعرض له أفراد الجماعة طوال سنوات، فقد حورب الإخوان في أموالهم وحرياتهم وأرواحهم أحيانا، ولكنهم في كل ضربة يتلقونها كانوا يحسنون إعادة تنظيم أنفسهم، وتمكنوا رغم «الحظر» من أن يخرقوا في بعض السنوات أسوار الحصار المفروضة عليهم، ودخلوا السياسة من أبواب الشعب في تسعينيات القرن الماضي، وفي ذات العقد تمكنوا وبواسطة كوادرهم المؤهلة علميا من أن يسيطروا على عدد من النقابات الهامة كنقابة الأطباء مثلا، وكان يتم حل أي نقابة يسيطر عليهم الإخوان، ولهذا تكونت لدى جماعة الإخوان في مصر تحديدا عقدة الشك في نوايا الآخر، وأصبح الآخر المخالف لهم مثار شك دائما، واستمر هذا الأمر بعد وصول السيد محمد مرسي، ولاتزال الجماعة حتى اليوم تشكك بنوايا المعارضين، وتتعامل معهم كما كانت تتعامل مع رجال السلطة سابقا، ولم تحاول الجماعة أن تفهم أو تتفهم أن المعارضين الذين قالوا لا للدستور الجديد هم جزء أصيل من النسيج المصري، وليسوا رجال سلطة، فلا يعقل مثلا أن كل من صوت بلا وبنسبة بلغت 36% كلهم رجال سلطة أو حكوميون سابقون أو فلول.

لذا إذا أرادت جماعة الإخوان أن تنجح سياسيا عليها أن تتخلى عن تفكير الجماعة المحظورة، وأن تعيد بناء نفسها كحزب سياسي، وليس مجرد جماعة دينية برداء حزبي كما هو حاصل الآن، وعليها أن تعيد ترتيب أوراقها بعيدا عن صراعاتها السابقة مع السلطة من جهة والليبراليين من جهة أخرى، وأن تمد يدها للجميع وتترك أسلوب التعامل وفق نظرية الشك بنوايا الآخرين، وذلك إن كانت جادة في ذلك، وأن تعلن تحولها لحزب سياسي كامل حقيقي بعيدا عن ولاية المرشد، فالجماعة الدينية شيء والحزب السياسي في الدول الديموقراطية شيء آخر تماما، ولا يوجد ما يمنع الإخوان من التحول الجذري من الجماعة إلى الحزب، وهو تحول سيمنحها بعدا شعبيا حقيقيا لدى كل الفئات وفق التعاطي السياسي لا وفق التعاطي الديني، وهو ما سيمنحها أيضا حياة سياسية أطول بعيدا عن الصدامات السياسية، فالحزب السياسي يمكن له أن يحتوي الخصوم أما الجماعة الدينية فلا يمكن لها أن تحتوي الخصوم، بل إن سر بقاء أي جماعة دينية هو وجود الخصوم، لذا على الإخوان أن يحددوا إما أن يتعاملوا كجماعة دينية وهذا بالضرورة يحتم وجود خصوم أو خلق خصوم على الدوام، أو أن يتعاملوا كحزب سياسي، ونعم في تلك الحالة أيضا سيكون هناك خصوم ولكن سيكونون خصوما سياسيين يمكن احتواؤهم والتعامل معهم بل والتحالف معهم، على عكس الخصومة المبنية على أساس ديني ذلك أنها خصومة لا تقبل الاحتواء ولا المصالحة ولا التحالف.

الإخوان المسلمون لديهم فرصة تاريخية كونهم وصلوا عن طريق الديموقراطية وصناديق الاقتراع وليس إثر انقلاب أو على ظهر دبابة أميركية أن يثبتوا للعالم أجمع أنه يمكن قيام حزب سياسي على أساس ديني إسلامي وبشكل ديموقراطي عملي، ولكن في حالة استمرار الإخوان في التصرف سياسيا والتعامل على أساس أنهم لايزالون جماعة سياسية محظورة فسيغرقون في السياسة أكثر وأكثر وسيغرقون البلد معهم أكثر وأكثر وستستمر الصراعات، وهو ما لا نتمناه لمصر، بقي أن أؤكد أن الـ 63% الذين صوتوا بـ «نعم» ليس جميعهم إخوان فالإخوان لا يشكلون هذه النسبة في مصر، وعلى الإخوان أن يعوا هذا قبل غيرهم، وألا يتصرفوا بشكل يفقدهم القواعد التي تتعاطف معهم من الشعب، فكما قلت لديهم فرصة تاريخية لإثبات ما لم يستطع أحد أن يثبته في أي بلد عربي.

توضيح الواضح:

كما أن البعض حتى يصور نفسه كمثقف يعلن أنه يستمع إلى فيروز، رغم أن ليس هناك ما يمنع المثقف من الاستماع لهيفاء وهبي أو خالد الملا أو حتى شعبان عبدالرحيم فالذائقة الغنائية لا علاقة لها بالثقافة، هناك من يعتقد أنه وحتى تثبت أنك مثقف عليك أن تشتم جماعة الإخوان وتعاديهم وهو أمر غير صحيح.

توضيح الأوضح:

رحم الله الشيخ راكان بن سلطان بن سلمان بن حثلين الذي وافته المنية امس وغفر له وألهم ذويه الصبر والسلون، وخالص العزاء للشيخ سلطان بن سلمان بن حثلين.  

السابق
جمعاويات
التالي
المعسل هو الحل!