مذكرات توقيف أم مذكرات قتل؟

عندما صدرت قبل سنوات مذكرات توقيف سورية بحق النائب مروان حمادة والزميل فارس خشان ووليد جنبلاط عرف الجميع ممن يفهمون هذا النظام "العلماني" (بؤس هذه العلمانية) والممانع (لعنة الله على هذه الممانعة المزيفة)، انها مجاز لمذكرات قتل، أو تكرار محاولات قتل. فالشهيد الحي مروان حمادة، سبق أن اصدر هذا النظام (ككيان مستقل عن الشعب السوري) مذكرة "اصيلة" بقتله، فنجا، اما بالنسبة إلى الزميل الشجاع فارس خشان فمذكرة التوقيف سبقها "اهدار دمه" فكان ان رحل إلى باريس، ووليد جنبلاط، اغتالوا والده… وأهدروا دمه ونعتوه بأبشع النعوت، (راجعوا خطب السيد نصرالله). اليوم يُعيد أهل النظام الكرة، بإصدار مذكرات توقيف بحق الرئيس سعد الحريري والمناضل عقاب صقر والناطق باسم الجيش الحر لؤي المقداد. فالأول قتلوا والده. ثم بقي على مرمى تهديداتهم والتحريض على تصفيته. لإثارة فتنة. أما عقاب صقر فحدث ولا حرج، رحل عن لبنان بعدما تكاثرت الرسائل السوداء إليه. وها هي الرسائل اليوم "جنائية": بحقه والمناسبة المعلنة رد على استدعاء علي المملوك والعقيد عدنان، وبثينة شعبان، (للشهادة) وهل يمكن نسيان ما سبق تفجير الشهيد وسام الحسن من أبواق النظام السوري، كميشال عون وجميل السيد… وكأنما كان ذلك تبريراً وتحليلاً لقتله بعدما حاصرته أبواق النظام السوري من مرتزقة وإعلاميين بالتهم بالعمالة، والتآمر… كل هؤلاء "الشهداء الراحلين أم الأحياء، وصلتهم "مذكرات التوقيف" السورية المضرجة بالموت. فأهل النظام المتساقط ليس عندهم مذكرات جلب، أو دعاوى: فهذه كلها مجازات للقتل. فنظام القتل لا يؤمن بمثل هذه الاجراءات إلا كسبيل إلى الالغاء. نظام القتل ليس عنده لا قوانين ولا محاكمات. قام على القتل، واستمر بالقتل، وها هو على مشارف النهايات بالقتل.

ونظن أن كل هذه الممارسات طالعة أصلاً من أن هذا النظام كان "هشاً" في الماضي على قوة "قمعية"، ثم خارت قواه على هشاشة شعبية. لم يعد يمتلك من مكوناته سوى طائرات تقصف، ومدافع تدمر ومجازر ترتكب، بل بات أضعفَ من أن يُجديه القتل. وأوهنَ من أن يخوّف الناس من "السلفيين" أو الأصوليين، هو بالتعاضد والتضامن مع حزب الله، الأكثر سلفية وأصولية في العالم الثالث. لكن بدا واضحاً أن الوضع يختلف كثيراً اليوم، بعد ربيع سوريا العظيم، عمّا كان على امتداد سواد هذا "النظام" في عز "ابهته" عندما صفّى (بلا حسيب ولا محاسب) الزعيم الكبير كمال جنبلاط، والمفكر الشيوعي حسين مروة، والفيلسوف مهدي عامل، والمناضل سهيل طويلة" وكذلك ميشال واكد، والشيخ العلامة صبحي الصالح الكبير (استاذ في فقه اللغة في الجامعة اللبنانية) والمفتي حسن خالد والرئيس رينيه معوض وصولاً إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري وشهداء 14 آذار. كان مُسلطناً ومهيمناً على الأرض، وعلى القضاء والأمن العام وجزءاً من الجيش (بعهدة اميل لحود) ولذا تعوّد هذا النظام ان تمر جرائمه "مرور النسيم" وكأنها "انجازات" ثورية مقدسة (اسألوا حزب الله أيضاً) بل وكأنها "مواقف" وطنية" و"انسانية" و"عروبية" واشتراكية ورسالة ارهابية "ملونة" بالأسود إلى اللبنانيين لكي يقبلوا جرائمه ذلك كأنها جزء من استراتيجية مقاومة العدو الاسرائيلي في لبنان طبعاً (وليس في الجولان). وكان كل شيء مسموحاً لهذا النظام الفاشي: النهب، القتل، سجن الألوف، التعذيب، النفي، الخوات على المطار والمرفأ (ورثه حزب الله في هذه المهمة المقاومة: يقاوم اسرائيل بتهريب البضائع من المطار والمرفأ واغراق السوق لضرب الاقتصاد). ولذا لم يكن عنده اي حسبان. جرائمه يرتكبها من "الأبد إلى الأبد" على أيام "حافظ الأسد" من دون حتى ان يراجع فيها احد: تطوى الملفات وكأنها لم تكن… وهذا ما ورثه الرئيس الحالي بشار: انه قادر على قتل من يشاء، وقادر على اسكات من يشاء. (في سوريا، والعراق وفلسطين ولبنان). ونظن ان النظام الحالي قد رسخ هذه الفكرة عن انه "فوق كل محاسبة أو مراجعة، أو محاكمة، حتى صارت اليوم سلاحاً في خاصرته. وهاهو يُفاجأ بالمحكمة الدولية في قضية استشهاد الحريري وشهداء 14 آذار. شيء مخيف: وهذا ما جعله يدفع ثمن مؤامراته مع النظام الايراني: خروجه العسكري من لبنان. أول ثمن في أول دفعة من سقوطه. ولهذا نظن ان بداية سقوط النظام السوري تتجلى في خروجه المذل من لبنان كانت الخميرة الأولى. الاشارات اللامعة التي تراكمت في ضمير اللبنانيين والسوريين: فهذا النظام هُزم في أول ربيع عربي متمثلاً في ثورة الأرز.. وها هو الربيع اللبناني تنتشر أفاويحه في تونس ومصر وليبيا واليمن… لم يفهم ذلك. ظل مقتنعاً بأنه فوق كل ربيع: فايران معه (وقد قمعت ثورة شعبها) واسرائيل "حليفته" وروسيا دعامته، متوهماً ان شعبه بمنأى عن هذا الربيع. لكن الخميرة الربيعية نضجت… واندلعت الثورة في سوريا: الثورة على هذا النظام "الميت" (والموتى هم الذين يقتلون بجبن) كابَرَ واستكبر على ناسه، على 99,99 بالمئة المزيفة. على انتفاضتهم. لم يصدّق لأن عقله لم يكن يوماً سياسياً بل أمني وعلى المستوى الستاليني البائس. فكل الجيش معه! اقصد الجيش الذي لا يحارب اسرائيل، الجيش الذي صار "جيشه" الخاص، حراسه، عبيده. كابرَ واستكبر. ثم وصل إلى ما وصل إليه: تقلص إلى اصغر دائرة. على آخر منصات القتل. وما زال مقتنعاً بأن اهراق دم شعبه يمكن ان ينقذه. لكن الدم عند اهله يلمع كالضوء وعند الفاشيين عتمة وضياع. كأنما اليوم في مونولوغه الأخير. بلا كلمات، ولا مرئيات. ولا أسف. ولا خطاب سوى ما حفظه من دروس الطغاة: "القصر أو القبر"! أو ما حفظه من حكاية شمشون: هدم المعبد على من فيه! "علي وعلى شعبي" ! وهذا ما يجعله اليوم وكأنه يدور من هذيان إلى هذيان. فاسرائيل يئست من دعمه! والروس بدأوا يتململون وحتى ايران… تفاوض على رأس هذا النظام. فبالرغم من هؤلاء ها هو وحيد! معزول. بلا عرب ولا عروبة وها هي شرعيته باتت وراءه. وها هو العالم يعترف بالائتلاف المعارض "ممثلاً شرعياً" لسوريا! مع هذا، ما زال مؤمناً بأن ما تبقى له من ذخائر وأسلحة وطائرات وسكود وقنابل عنقودية وفوسفورية وجرثومية ومدافع وجيش وشبيحة قادرة على تحقيق النصر في بلد لم يعد يسيطر فيه إلا على بؤر معينة هي في طريقها إلى السقوط بأيدي الثوار. ومع هذا ما زال يكابر. ويُظهر للعالم وللسوريين وللبنانيين بأنه ما زال واقفاً. لكن أين؟ على انهار من الدم. ومن يقف على نهر عاصف يَجرفه. وبعدما افرنقعت عنه "حماس" وانضمت إلى الربيع العربي في نضالها ضد العدو الصهيوني، وبعدما انفضّت عنه قطر.. وارتد عليه الربيع العربي كله، ما زال على قناعته الراسخة، بأنه ما زال قادراً… على ماذا؟ على القتل! وعلى التأثير في لبنان: آخر معاقله. وهنا بيت القصيد: فهو يحقق يومياً مجزرة في سوريا، وكل مجزرة "تحقق" له هزيمة: فكأنما انتصاراته على الأرض لم تعد تقتصر الا على التدمير والابادة والفظائع والمجازر اي القتل. اما في لبنان، فما زال ينظر إليه من خلال بعض عملائه وحلفائه (من ايران) وكأنهم كل البلد. او كل الشعب. فهو يتكل على "حليفه" الالهي حزب الله، بتنفيذ أجنداته المتبقية: الفتنة والحروب المذهبية، والاغتيالات أو "إشعال" جبهة الجنوب لتحويل الانظار عنه او التخطيط لقتل مذهبي بارساله المجرم ميشال سماحة حاملاً إلى أهله متفجرات وصواعق لتنفيذ مجازر جماعية واغتيالات فردية في عكار والشمال. اسقط الشهيد وسام الحسن مخطط المملوك سماحة موجهاً إلى هذا النظام إصابة بالغة، ليرد عليه النظام عبر ادواته في الضواحي بسيارة مفخخة على الطريقةالتي اتبعت مع الرئيس الشهيد الحريري. خسِئ النظام. وهكذا سبق، عبر عملائه وجواسيسه ان حاول اغتيال سمير جعجع وبطرس حرب، وها هو يضع لائحة تتضمن اسماء مرشحين للتصفية: 14 إسماً من 14 آذار على اللائحة السوداء للنظام الأكثر سواداً من السواد. وها هو مع ازلامه في جبل محسن، يريد تدمير طرابلس واشعال حرب مذهبية. وتهجير سكانها وكأنما لم تكفه الدماء السورية، ومن طرابلس وقبلها ميشال سماحة وآلة القتل المتجولة، ها هو يريد ان يكتسب شرعية فقدها، شرعية دستورية وقانونية واجتماعية ووطنية وشعبية وعالمية. والغريب ان هذا النظام الذي يبدو انه "وقع" في "الكوما"… أو في الهذيان، او الشيزوفرانيا، أو الانفصام عن الواقع، يتصور (وهذا من باب الظن، والخروج على العقل والمنطق) انه قادر على تقديم مذكرات التوقيف إلى المجموعة العربية التي سحبت اعترافها بشرعيتها وإلى المجتمع الدولي الذي اعترف بالتآلف المعارض وإلى الأنتربول، فإلى من أرسلها، وإلى اي عنوان، وإلى اي شارع وإلى اي مسؤول، وإلى اي مؤسسة أمنية أو سياسية؟ والله! "حيص بيص" تضرب كفاً بكف ونحن نتابع إلى ما آل اليه هذا النظام. ربما بقي له لبنان الرسمي: وزير حكومته ووزراؤها الذين فرضوا بالقوة وبالقمصان السود. ربما بقي له قرينه الحزب الشمولي المقتلع من واقعه، أي حزب الله في فضيحته المجلجلة المتمثلة بالتدخل إلى جانبه في لبنان وسوريا "بالواجب الجهادي"… وربما خضع الحزب لبعض "طلبات" النظام مدفوعاً بارادة ولاية الفقيه (الوجه الآخر للفاشية العلمانية المزعومة) وربما تمنع أو أجّل بعضها. لكن وفي جميع الأحوال فمذكرات التوقيف التي اصدرها أخيراً، لا تختلف بتفاهتها وعبثيتها ولا معقولها عن تلك التي اصدرها اللواء جميل السيد (احد جنرالات الممانعة: قوموا من الدرب!) والتي تضمنت أسماء تحت لافتة شهود الزور. جميل السيد يتكلم على شهود الزور فما أنجَبَه والمعه هذا الذي تاريخه مدوٍ "بالانجازات" الديموقراطية والسيادية… دامت سيادته وسيادة البطل ميشال سماحة رفيقه في سيادة المتفجرات!) . مذكرات توقيف عن نظام اصدرت بحقه مذكرات توقيف من شعبه والعرب والعالم. فما أجمل المُدان الذي ينتحل صفة "المتهم"؟ اقصد المتهم بانتهاك حقوق الانسان في حربه على شعبه، والمتهم بقتل قرابة 3 آلاف طفل… وأكثر من 40 ألف سوري وتدمير أعمى وغاشم وجبان لمدنه وقراه ومدارسه ومستشفياته، وتهجير نحو 4 ملايين من شعبه! هذا النظام "العيوق" الحنون الرحوم هاله ان يدعم سعد الحريري وعقاب صقر ولؤي مقداد المنتفضين. هاله ان يفقد سيطرته على كل شيء، سوى على الدائرة الضيقة المحيطة به. ساءه ان يساعد عقاب صقر المهجرين السوريين في سوريا ولبنان… ساءه ان تعلن جبهة لبنانية موقفاً "مغايراً" لجبروته! وكما كان يظن ان شعبه مجرد قطيع مذعنٍ مَسوقٍ بالقمع، فقد ظن أيضاً ان كل اللبنانيين ينتمون إلى "مزرعته" ودجاجاته وحملانه. انه الزمن الآخر الذي ذقته ايها النظام، ولن تفهمه. زمن عودة الشعوب إلى ارادتها وإلى سلطتها وإلى كلمتها وإلى تمردها وثورتها على الطغاة. وماذا يفعل النظام اليوم في زمن لم يعد زمنه. اقصد زمن الجماهير الحية، الواعية، المتعددة، المشارب والأفكار ، الديموقراطية الشعبية، ومجنونة الحرية… ماذا يمكن أن يفعل نظام بات ينتمي الى سلطة وّلَّتْ، وإلى عالم لا يألفه ولا يفقهه. نظام غريب. وغربته طاعنة في اليأس. لكن طاعنة ايضاُ في الغربة عما يجري حولها. فلينظر حوله: ذهب مبارك، وعندما حاول الرئيس المنتخب محمد مرسي ان يلعب لعبة الطاغية واجهته الملايين في ميدان التحرير وسائر الميادين، ارأيت: لم يعد لا مرسي ولا اشباه القذافي وبن علي وعلي صالح ومبارك قادرين على الحكم وحدهم. انتهى هذا الزمن. وانت أيها النظام هل تستطيع بعد الآن ان تحكم بسلطة عائلية محدودة؟ او بحكم فردي دكتاتوري وحدك؟ او باستعادة 99,99 "بالدم والروح" أو من "الأبد إلى الأبد"… لم يعد هناك لا ابد ولا من يؤبدون! ولهذا فان محاولة الظهور بالتماسك والقوة والاستمرار في تأثيرك على لبنان.. لا قيمة لها لأنها من مكان سوريالي بعيد ومن لوناتيكية تذكرنا بنهاية الطاغية "مكبث" والتاج الذي سقط من على رأسه.. يتدحرج قبل ان يتلقى الضربة القاضية. مكبث. او صدام حسين أو القذافي. أو بينوشي. أو ستالين. أو ماو. أو هتلر. أو بول بوت: "باي باي" . فالعالم اليوم لم يعد يتسع لمثل هؤلاء المجانين والممسوسين والميغالومانيين والممروضين والقتلة والفاسدين"..
ولهذا من الصعب "منطقياً" او "تاريخياً" أو "زمنياً" أو سياسياً أن يسود الاستثناء حيث تسود القاعدة: ان ينتصر طاغية بعدما هُزم معظم الطغاة وحدك ايها النظام لن تقاوم التاريخ الجديد، وهو ليس تاريخك! ولهذا فكل المحاولات التي تبذلها ايران وروسيا والصين… (وتابعهم حزب الله) لن تجدي. وكل مذكرات التوقيف.. التي تصدر كأن ترمي عقب سيجارة من النافذة. لن تجدي.. وكل الحقد الذي تفجره لتغتال، رموز الربيع اللبناني.. لن يجدي ايضاً: فهؤلاء باقون في زمنهم الجديد. صدقني، لن يشفع فيك لا عون، ولا رجاء ولم يعد يجدي جسمك المحتضر اي امل بالنهوض.. ونذكرك ان كل الذين صفيتهم وسجنتهم وعذبتهم من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين منذ نهاية الستينات وحتى اليوم.. ها هم يرفعون شارات النصر إمَّا في اضرحتهم واما في مغاربهم.. أو في عليائهم! الشهداء حقاً يعودون: وفي طليعتهم الرئيس الحريري وكمال جنبلاط، وسائر شهداء الأرز.. وصولاً إلى وسام الحسن!
انتصروا عليك مرتين: مرة عندما غَدَرَت بهم.. ومرة أخرى عندما اضاءوا بموتهم طريق الحرية.. للأحرار وطريق الديموقراطية للأبرار، وطريق الوطن كل الوطن، إلى ربيعهم الدائم!
لن ينفعك بعد الآن شيء! وخصوصاً القتل! فاكتفِ بما ارتكبت!
  

السابق
ثقة الأسد والحقائق الميدانية
التالي
ما بعد بعد نأي حزب الله عن المذكرات