النفاخية استثناء وليست نموذجا وكنيستها تحتضن مسجدها

اعتزلت كنيسة "القديس توما الرسول" في بلدة النفاخية (جنوب لبنان) الصلاة منذ عام 1973 بعدما خطفت الهجرة عائلاتها بدءاً من العام 1958 وعادت.. ونفضت الغبار عن كنيستها عام 2012 بانتظار عيد ميلاد المسيح عمّا قريب. رغم بقائها "مختارية" إلاّ أنها استطاعت تلك القرية الصغيرة أن تستعيد الميلاد إلى حضنها وذلك بعد أن خضعت كنيستها التي تتوسط القرية منذ أكثر من 150 عاماً إلى عملية ترميم واسعة.
مختار البلدة، الحاج حاتم حسين، خادم الكنيسة، بذل محاولات حثيثة كي لا تفقد النفاخية مسيحيتها، فمنذ انتخابه مختاراً للنفاخية منذ حوالي الثلاث سنوات، حضّر حسين ملفاً من ثلاثة مشاريع اعتبرها أولوية بالنسبة إليه، فتمّ ترميم الكنيسة، من قام بالتنفيذ مؤسسة محمود حسين للتجارة والمقاولات بتمويل من الكتيبة الإيطالية. بانتظار تنفيذ المشروعين الآخرين، الأوّل إنشاء نادٍ ثقافي بإسم إبن القرية الأديب جرجس زيدان والآخر مكتبة عامّة باسم إبنها النائب الراحل جوزيف مغيزل.

الكنيسة أولاً
يقول الحاج حسين" نحن أساسنا من بلدة المالكية ونقلنا نفوسنا إلى بلدة النفاخية" ويضيف " عام 1960 بلغت نسبة المسيحيين 10% فقط من سكّان البلد و 70% من الأراضي يتملّكها سكّانها الحاليون" مشيراً إلى أنّه" لم يسجّل أي إشكال سياسي أو أمني بين أهالي النفاخية الأصليون وبين أهالي القرى المجاورة وكل أملاكهم محفوظة ولم يتم احتلالها أو التعدّي عليها من قبل أحد" موضحاً أنّه ما زال في حالة بحث عن سكّانها الأصليين وأنّ المختار السابق اسكندر طوبيا قد عمل على نقل قيده الشخصي مع عائلته إلى منطقة أخرى، وذلك قبل انتهاء فترة عمله حتى إنّه عندما توفي دفن في بلدة المنصورية" ويلفت الحاج حاتم حسين أنّه تمّ التوقيع من قبل وزير الداخلية والبلديات على إنشاء بلدية النفاخية وذلك بمساعي الوزير محمد فنيش.
أمّا الأب وليم نقولا نخلة المسؤول عن كنيسة القدّيس توما الرسول وتوابعها، فقد قال "ما حدث هو أن رحلت عائلة أوّلاً وحصل نوع من الغيرة وبدأ الجميع بالرحيل ليس فقط خارج البلدة بل خارج لبنان أيضاً، وذلك بعد الأحداث اللبنانية" يؤكد نخلة " آخر قدّاس أقيم في الكنيسة كان عام 1973 ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم لم يسرق منها أي شيء بل أهل القرية كانوا هم حماة الكنيسة" ويؤكّد " المختار حاتم حسين قدّمنا مشروعين للكتيبة الإيطالية فأبلغتنا بدورها أنها لا تلتزم بإنجاز أي مشروع إلاّ لمن له الصفة الشرعية والإدارية للبلدة، وقاموا بتخييرنا بين مشروع من الإثنين إمّا الكنيسة وإما المكتبة وفوراً ردّ المختار الكنيسة أوّلاً، فهذه حادثة نادرة وله فضل كبير وتمّ تكريم المختار من قبل المطران".

البحث عن أهالي النفاخية!؟
يضيف " أنا في حالة بحث عن أهلها الأصليين فمعظمهم سافروا إلى أميركا والبرازيل والسنغال وأستراليا، وما تبيّن لي حتى الآن هو وجود عائلة "رحمة" التي تسكن في صور وعائلتان في المنصورية" ويشرح "أجدادهم هم من رحلوا إلى تلك القرى" مشيراً إلى أنّه قد قام بوضع صيغة تواصل عبر كافةّ مواقع التواصل الإجتماعي عبر الإنترنت علّه يصل إلى أحد، لكن إلى حد هذه اللحظة لم يتم أي تجاوب. يكمل نخلة "الكنيسة رُمّمت لكن هناك برنامجا لتجهيزها وهذا سوف يتم حسب المساعدات التي ستقدّم وبسعي منّي سوف يتم أوّل قدّاس فيها على الميلاد. وهذا في إطار المحاولة" واعداً أن يبذل محاولة بالدعوة لإقامة وإحياء جميع المناسبات في الكنيسة وحتى لو لم يأتي أهلها الأصليون "سوف أقوم بدعوة مسيحيين" خاتماً "إنّ المقيمين في بلدة النفاخية هم من الطائفة الشيعية ومن آل حسين ويعيشون على المحبة والإيمان والوفاق مع الجميع، ولا يميزون بين دين ودين ويعتبرون الكنيسة بيتاً من بيوت الله كالمسجد بالتمام، وفرحهم كان كبيراً بإعادة ترميمها".
وكذلك يؤكّد الأستاذ حسن رمضان مدير مدرسة الريف أحد أهالي بلدة النفاخية " كان هناك تعايش مشترك من حيث الأفراح والأتراح رغم قلة العدد. ولم يسجّل التاريخ أي صراع بين أهالي البلدة وأي بلدة مجاورة "لافتاً إلى أنّ التحول الديمغرافي أوصل البلدة إلى أن يصبح مختار النفاخية من أهالي بلدة المالكية.
في المقلب الآخر لم يحدث في دردغيا كما حدث مع جارتها النفاخية. إذ تعتبر دردغيا انموذجاً للحياة الإسلامية المسيحية، وهي بلدة مسيحية يسكنها الكاثوليك في وسط شيعي تحدّها بلدات صريفا وأرزون ومعروب وبافليه.

في دردغيا
المشهد العام لدردغيا ربما يعبّر عن واقعها المختلف نوعاً ما، فهو يدل أيضاً على عدم اكتمال الحياة واستمرارها تماهياً مع جاراتها من القرى الأخرى. وحدها الكنيسة الكبيرة المرمّمة حديثاً تعبّر عن إرادة الحياة والبقاء والتعايش مع المسجد القريب من موقع الكنيسة. داخل البلدة يفتقر إلى الحياة، ذلك أنّها شبه مهجورة، وهذا يعود إلى ما قبل الحرب الأهلية عام 1975، إلى حين بدأت الزراعة وهي وسيلة العيش الوحيدة، تتراجع شيئاً فشيئا بسبب وجود بدائل عمل أخرى خارج البلدة والوطن. وازدادت الهجرة والنزوح خلال الحرب الأهلية وبعدها، حتى أصبحت البلدة شبه فارغة من سكّانها،لا يسكنها إلاّ القليل من أهلها. إضافة إلى عدم دفع التعويضات إلى من هدّمت منازلهم من قبل إسرائيل. وأغلب المقيمين في لبنان يزورون البلدة في المناسبات لكنهم يعودون في نفس اليوم لعدم وجود المساكن لإيوائهم وذلك بحسب شهادة أهل البلدة.
إذاً، ثمة سؤال لماذا أهل النفاخية هجروا مسقط رأسهم، سؤال يبقى معلّقاً في رسم الإجابة، إلى حين.. عودة أحدهم؟
  

السابق
صبرا: معركة دمشق ستحسم مصير الأسد
التالي
شذى حسون: خطبتي ليست رسمية