خيوط الجريمة بين 1.6 مليون حساب فايسبوك!

طلب فرع المعلومات داتا الاتصالات فحصل عليها كاملة. اليوم يريد الجهاز الأمني نفسه كلمات المرور الخاصة بمليون ونصف مليون مستخدم لموقع التواصل الاجتماعي الأول عالمياً «فايسبوك». برر «المعلومات» طلبه بأن ذلك سيسهم في اكتشاف جريمة اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن. وزير الاتصالات رفع طلب «الفرع» إلى مجلس الوزراء مع التحفّظ

قبل عشرين عاماً بالتمام والكمال سلكت أوّل رسالة نصية قصيرة مسار الموجات. مضمونها كان: «ميلاد مجيد» (Merry Christmas). لكن مبتكر هذه التقنية، المهندس البريطاني نيل بابوورث، لم يكن في باله على الأرجح أنّ هذه الخدمة الحيوية ستتحوّل لتُشكّل عنصراً في حلّ الجرائم المرتكبة في بلد ربّما لم يسمع به ــــ أو ربما سمع حيث كان لبنان بقعة حامية عام 1992 ــــ بل لتشكّل معضلة أخلاقية على علاقة بالحريات الشخصية مباشرة.
فبناءً على ما تقدّم خلال اليومين الماضيين، يطلب فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من وزارة الاتصالات كشفاً بالرسائل النصية لجميع اللبنانيّين خلال الشهرين اللذين سبقا اغتيال رئيس الفرع الراحل اللواء وسام الحسن، لربط خيوط مفترضة عن مدبّري التفجير الذي شهدته منطقة الأشرفية.
إزاء هذا الطلب، جدّد وزير الاتصالات نقولا صحناوي رفضه لكشف محتوى الرسائل النصية، وهو الموقف نفسه الذي كان قد اتخذه في قضية «داتا» الاتصالات الكاملة التي اضطرّت الوزارة إلى السفر إلى فرنسا لحسم الجدل بشأن مدى قانونيتها.
«عندما تشاورنا مع نظرائنا الفرنسيين بشأن شرعية طلب داتا الاتصالات، قالوا لنا: من يكشف معلومات كهذه يذهب إلى السجن مباشرة!» أوضح الوزير في حديثه مع «الأخبار». «وحتّى في البلدان حيث كانت الداتا متوافرة للأجهزة، فإنّ المعلومات التي يُشرعن توافرها أقلّ بكثير من المطلوب في لبنان».
ففي سوريا وفي ليبيا قبل تغيير الحكم، كانت المعلومات المتوافرة للأجهزة الأمنية تقتصر على حركة الاتصالات، من اتصل بمن وعلى مكان وجود أصحاب الخطوط الخلوية، يُتابع الوزير.
ولكن رغم هذه الممارسة المعتمدة في قطاع الاتصالات عالمياً، تمكّن فرع المعلومات من الحصول على داتا الاتصالات بقرار من مجلس الوزراء. فهل يتكرّر الأمر مع الرسائل النصية؟
«نحن رفعنا الطلب إلى مجلس الوزراء مع تحفظنا، فيما أعطت الهيئة القضائية الخاصة بهذا البحث رأياً سلبياً» يوضح صحناوي. «ولكن مهما يحصل، علينا التأكيد أنّهم (فرع المعلومات والفريق السياسي الذي يتصل به) كانوا يروّجون أن طلباتهم تقتصر على الحركة وليس على المضمون، وها هم يطلبون معرفة مضمون الرسائل وكشف ملايين اللبنانيين».
وخلال العامين الماضيين سجّل معدّل اختراق الهاتف الخلوي نمواً بارزاً في لبنان، إذ تجاوز عدد الاشتراكات 3.7 ملايين اشتراك وفقاً للبيانات المتوافرة لـ«الأخبار» حتّى تشرين الثاني 2012.
ولكن هناك أبعد من الرسائل النصية القصيرة وأخطر منها وأكثر تعقيداً في طلب فرع المعلومات. فهذا الجهاز يطلب أيضاً المعلومات الخاصّة بمستخدمي الإنترنت ومشغليه تحت حجّة البحث عن الخيوط نفسها.
«يريدون بيانات الاستخدام: الاسم، وكلمات السر للبنانيين الذين يستخدمون الإنترنت في لبنان، إضافة إلى بيانات مقدمي الخدمات وبوابات الولوج إلى الشبكة» يشرح نقولا صحناوي. ويجزم: «بالتأكيد لا يُمكننا الموافقة على توفير تلك المعلومات والتعرّض لخصوصيات المستخدمين، ولا أتصوّر أنّ مجلس الوزراء يُمكن أن يوافق على طلب كهذا».
ومن بين أبرز البيانات المطلوبة تلك الخاصة بمستخدمي موقع التواصل الاجتماعي الأول عالمياً، «Facebook». والحديث هنا هو عن بيانات نحو 1.6 مليون مستخدم في لبنان لهذا الموقع. وقياساً بمعدّل النموّ المسجّل خلال الفترة الماضية، فإنّ معدّل اختراق هذا الموقع للبنانيين سيبلغ 50% برمشة عين.
يعكس هذا الرقم الكبير إقبال اللبنانيين كغيرهم من الشعوب على خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخصوصاً مع توافر الإنترنت السريع على الهاتف الخلوي (3G)؛ ترتفع نسبة مشتركي الخلوي المشتركين أيضاً في خدمة الإنترنت الجوال صوب الثلث.
ولكن بغضّ النظر عن طبيعة الطلب المخيفة، هل يُمكن أن توفّر وزارة الاتصالات هذه البيانات لفرع المعلومات؟
«هناك بعض المعلومات التي يُمكن تأمينها وأخرى يجب الحصول عليها من الشركات مباشرة» يوضح صحناوي، مع تشديده على أنّ «البحث يجب ألا يكون عند هذا المستوى، بل في المجال المبدئي الخاص بالحريات الشخصية والمعطيات المنطقية».
هكذا يُمكن أن يدخل الطلب الأخير لفرع المعلومات في نفق طويل، كما حصل في قضية «داتا الاتصالات». المشكلة هي أنّ الأمور تزداد تعقيداً مع دخول الإنترنت في اللعبة. فهذا عالم غزير المعلومات والمؤشرات أيضاً. فعلى سبيل المثال، حتّى مع تزايد الإقبال على خدمات التواصل السريع (Instant Messaging) تبقى للخدمات الخلوية التقليديّة أهميّة خاصة. فوفقاً لشركة الاستشارات الخاصة بمجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، «Analysys Mason»، فإنّ 97% من مستخدمي خدمة «Whatsapp» لا يزالون يستخدمون خدمة الـ«SMS».
كذلك يدفع حراك الأعمال فيه إلى نشوء عمالقة يستطيعون السيطرة على الأخضر واليابس! فيوم أمس فقط كشف الموقع الإلكتروني الشهير «TechCrunch» أنّ «Facebook» يُجري مفاوضات لشراء «Whatsapp».
الأمور تزداد تشويقاً وغرابة للمحققين في الجرائم، وفي الوقت نفسه ترهيباً لمستخدمي الخدمات، أي المواطنين العاديين الأبرياء!
وضع يُفضّل صحناوي وصفه هكذا: «عوضاً عن المراوغة بأنّهم لا يريدون البيانات كاملة، وهو من الواضح أنهم يريدونه للتمتع بسيطرة عبر الاتصالات، لماذا لا يفكرون في الآتي: من هو المجرم الذي سيستخدم هاتفه الخلوي لإتمام عملية اغتيال؟ وهل فعلاً مبرّر كشف ملايين اللبنانيين على الإنترنت عوضاً عن التحوّط الأمني المسبق؟».  

السابق
الحرس الثوري الايراني يسيطر على طائرة ScanEagle الاميركية
التالي
كلمة إلى بعض أصحاب العمائم!