الحرب في غزة واللعبة في مصر

غزة تربك اسرائيل المعتدية وتفاجئ العرب العاجزين والعالم الذي يحاصرها. فهي تخرق عملية عمود السحاب بعمليات حجارة سجّيل وتفتح الطريق الى معادلة جديدة في قواعد اللعبة. وليس أخطر على اسرائيل من توسيع العدوان بالذهاب الى عملية برية مكلفة سوى التراجع عنها من دون التوصل الى هدنة مستدامة. ولا أصعب على حماس من أن تقبل أي ترتيب يوقف القصف سوى أن تضيّع الفرصة السياسية المفتوحة أمامها بالصواريخ.

ذلك أن المعادلة الجديدة لمرحلة ما بعد حرب غزة لم تتبلور بعد، وإن بدأت ملامحها في الظهور، بصرف النظر عن المبالغات المألوفة. فلا المتغيرات في بلدان الربيع العربي كلها متغيرات. ولا الثوابت التي تحكمت بنا، وأولها العجز العربي عن الحرب كما عن التسوية، صارت وراءنا. واذا كانت شجاعة المقاومة في غزة قادرة على إفشال الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل، فإن التضامن معها يحتاج الى خطوات عملية في العالم العربي. وأهمها أن تكون المقاومة جزءاً من حركة نهوض وطني وقومي، لا مجرد عمليات وصواريخ يراها العرب عبر شاشات التلفزيون. فالمقاومة والممانعة والحروب في غياب الحرية والديمقراطية قادت الى الفشل والهزائم. واستعادة الحرية والديمقراطية في الربيع العربي تبقى ناقصة من دون نهوض وطني وقومي.
والفرصة الآن مفتوحة للجمع بين استعادة الحرية والديمقراطية والعودة الى حركة النهوض. لكن القدرة على اغتنام الفرصة ليست مؤكدة، بالقياس على الواقع العربي وعلى ما انتهى اليه الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب. فالكل يعرف أن حرب غزة حربان: واحدة مدوية على الأرض، وأخرى هامسة في الكواليس العربية والإقليمية والدولية. والارتباط بينهما جعل المشهد بالغ التعبير: الحرب في غزة، واللعبة في مصر.
وأبسط تعبير عن المشهد أن الجامعة العربية عاجزة ومجلس الأمن صامت والقاهرة هي مركز الاتصال. فالكل في القاهرة: قادة حماس والجهاد الإسلامي ومسؤولون اسرائيليون. أمير قطر ورئيس الوزراء التركي والأمين العام للأمم المتحدة. والاتصالات الهاتفية كلها مع الرئيس محمد مرسي. والهدف هو ترتيب شروط الهدنة. فالرئيس الإخواني أحدث تغييراً في موقف مصر من العدوان على غزة. لكن حدود التغيير محكومة بحسابات مصرية وعربية وإقليمية ودولية تجعل الحركة تحت سقف محدد يصعب تخطيه.
ولكل نوع من الهدنة انعكاسات على اللعبة الأكبر في الشرق الأوسط، حيث صراع المحاور والنفوذ بين تركيا وايران واسرائيل والدور المتجدد لمصر في قيادة محور الربيع العربي الإخواني والمحور الخليجي. وخلف كل هذا، فتِّش عن أميركا.

السابق
النهار: جاهز للاستقالة في حال توافر الضمانات لمشاركة فريق 14 آذار في حكومة اتحاد وطني
التالي
اوباما في بورما وكمبوديا