أهل المخطوفين تفكيرُهم منطقي لكن

ربما يستطيع اقرباء للمخطوفين اللبنانيين الشيعة في سوريا الثورة او جهات اخرى اختطاف مواطنين اتراك يعيشون في لبنان او يمرون فيه. وربما يستطيعون حجز حرية ديبلوماسيين يعملون في السفارة التركية في "الرابية"، أو جنود اتراك يعملون مع قوات حفظ السلام الدولية لتطبيق القرار الدولي 1701. لكنهم لن يستطيعوا الإفلات بفعلتهم مدة طويلة. ذلك ان تجربة خطف الاتراك قبل اشهر فشلت لأن القوى الاساسية الفاعلة في منطقة الخطف ضغطت على الخاطفين لاطلاق من خُطِفوا، والأهم من ذلك للامتناع عن اختطاف عشرات من المواطنين الاتراك كانوا في لبنان وتمّ رصد تحرّكهم، ولأنها أعطت الضوء الاخضر للدولة للقيام بكل ما يلزم لفرض الأمن ووضع حد لحال الفلتان في المناطق المشار اليها. ولا يبدو الآن على الأقل ان تغييراً طرأ على مواقف القوى المذكورة وفي مقدمها "حزب الله" أو على مواقف رعاتها الاقليميين، يمكن ان يُشعِر الذين يُهددون بالخطف بغية إستعادة مَنْ خطفَهم "الجيش السوري الحر" بوجود مباركة لعملهم أو غض نظر عنه.
طبعاً لا يعني ذلك، في رأي الديبلوماسية التركية في انقرة، ان لا خطر نهائياً على الرعايا الاتراك في لبنان، أو ان لا تهديدات وجّهت الى البعثة الديبلوماسية التركية في لبنان… وإن شفهياً. لكنه يعني ان الخطر محدود ويمكن التعايش معه، ولكن مع الاستمرار في الانتباه والحذر لأن احداً لا يعرف متى يتمرد الذين يشعرون بالظلم على القوى الفاعلة، أو متى ترى هذه القوى نفسها مضطرة ولأسباب متنوعة الى اطلاق حرية هؤلاء في العمل. وطبعاً لا يعني هذا الوضع ايضاً ان المسؤولين في انقرة كما ممثليها في لبنان ينكرون المنطق الذي يتكلم به أهل اللبنانيين "الشيعة" الذين لا يزالون قيد الخطف، والذي يرفض ان يقبل ما يقوله هؤلاء عن عدم قدرتهم على تحرير المخطوفين. فهو ينبع من العلاقة الوثيقة بل من تعاون تركيا مع "الجيش السوري الحر" وكل الفصائل الثائرة في سوريا على نظام الاسد. ويفترض ان يسمح ذلك لانقرة بـ"المونة" على الخاطفين، وخصوصاً إذا كانوا ثواراً كما يقولون. وينبع ثالثاً من كون المخطوفين يقيمون على بعد اقل من كيلومتر من الحدود التركية في "فيللا" مريحة. وينبع رابعاً من ان الخاطفين، كما غيرهم من السوريين، اجتازوا الحدود المذكورة أكثر من مرة، ولا يزالون يفعلون ذلك سواء للتبضع أو للتشاور أو لشراء أدوية او… ويوفر ذلك للسلطات التركية فرصة "لإقناعهم" بتحرير رهائنهم.
إلا ان عدم إنكار حجة بعض منطق اهل المخطوفين لا يعني ان تركيا متواطئة مع الخاطفين، وخصوصاً في ظل غياب أي مبرر سياسي لاحتجاز هؤلاء كما قيل سابقاً، وفي ظل انتهاء الطلب التعجيزي لاطلاقهم وهو اعتذار أمين عام "حزب الله" من الثوار السوريين. فالديبلوماسية التركية مُحرَجة لإخفاق انقرة في تحرير المخطوفين، وتنفي وجود اي خلفيات سياسية داخلية أو خارجية للاحتجاز، وتتابع جهودها لإطلاقهم. لكنها لا تعرف فعلاً سبب استمرارهم في الحجز. وهي تتفهّم تماماً عدم اقتناع اللبنانيين بذلك. لكن ما تقوله هو الحقيقة في رأيها. والحقيقة الثانية إنها لم تَعِد مسؤولي لبنان بتحريرهم بل ببذل الجهود لذلك. وقد وفت بوعدها ولا تزال. والحقيقة الثالثة هي ان الخاطفين لا ينتمون الى "الجيش السوري الحر" بل هم مهرّبون اساساً. والحقيقة الرابعة هي ان تعدّد التدخل اللبناني التنافسي، إذا جاز التعبير، عقّد الأمر، وخصوصاً بعدما اصبح المال عنصراً مهماً للخاطفين. علماً انه لم يصبح كذلك إلا بعدما عرضه المتدخلون التنافسيون.
في النهاية يمكن الاستنتاج من مصادر عدة منها الديبلوماسية التركية ان قضية المخطوفين قد تكون تراجعت إلا إذا تأمن المال الموعود. ويمكن الاستنتاج تبعاً لذلك ان لبنان لم يعد ارضاً آمنة للاتراك، إذ لا يعرف أحد، متى يتعرض لهم احد سواء بمبادرة شيعية او عائلية او بقرار كبير قد تفرضه تطورات معينة. علماً ان لا وجود حتى الآن لمؤشرات الى قرار من هذا النوع.
طبعاً تبقى قضية المخطوفين اللبنانيين على يد "حلفاء" تركيا، إذا جاز التعبير على هذا النحو، مصدر قلق وانشغال للسلطات في انقرة. لكنها قطعاً لا تشكّل أولوية بالنسبة اليها. إذ بدأت حكومة "حزب العدالة والتنمية" الاسلامي، وتحديداً منذ اندلاع الثورة السورية قبل سنة ونصف سنة تقريباً، تعاني مشكلات عدة جراء وقوفها مع الثوار ضد النظام الذي يسعون الى التخلص منه، ليس اقلها ضمور الدور الذي كانت تطمح اليه جراء عجزها عن الاضطلاع به.  

السابق
نتنياهو الخاسر الثاني في انتخابات أميركا
التالي
إجتياح «8 آذاري» للإدارة