نعم نعم.. عنزة ولو طارت!

على الشعب اللبناني أن ينسى مشكلات الغلاء وارتفاع الأسعار، وأن ينسى مطالب العمّال والنقابات ومشكلات المياومين، وعذابات الناس مع الكهرباء والماء والحفر في الطرق، وأن ينسى الهدر والسرقات وعدم وجود قيود مالية على الهبات والتبرّعات الخارجية، وكيف أنفقت وإلى أيدي مَن وصلت، وأن ينسى الممتلكات البحرية وكيف تحوّلت بقدرة قادر إلى محميات تخصّ فلاناً وعلّاناً على حساب الشعب والقوانين والحق العام، ولا كيف انتقلت ملكية الأحراج والجبال والغابات وكلّ الأراضي «الأميرية» من الدولة إلى التجّار والشخصيات، وألّا يتذكر الناس إلّا أمراً واحداً هو: وجوب رحيل حكومة الميقاتي، تنفيذاً لأمر عمليات من مايسترو واحد يعرفونه ونعرفه.

كلام الكاردينال البطريرك الراعي وتوجّهاته عن رفض قانون «الستين» وعن ضرورة التلاقي والكفّ عن الاتهامات، لا يكفي لإقناعهم بأنّ إعادة النظر في الدروب الخطيرة والمنزلقات التي يدفعون لبنان إليها سيكون في صالحهم وصالح الوطن، لا يكفي. كلام رئيس الجمهورية وإصراره على استئناف الحوار والجلوس إلى طاولته من أجل الحفاظ على الاستقرار والانتقال بالأمن من مرحلة إلى أخرى، لا يكفي. الكلام المتّزن لعدوهم اللدود ـ نجيب ميقاتي ـ من أن الأمور لا تحلّ بالعناد والمكابرة، أيضاً لا يكفي. موقف دار الإفتاء من خلال كلام سماحة المفتي، لا يكفي لإقناعهم بأنّ العنزة تظلّ عنزة فلا تطير، كلام نائب رئيس حزب الكتائب ـ سجعان القزّي عن أنهم ضدّ مقاطعة مجلس النواب وأنّه «إذا قرّر غيرنا عدم المشاركة فهذا شأنه وهو حرّ».. لا يكفي لإقناعهم بخطورة المهوار الذي يدفعون لبنان إليه. حتّى كلام سفيرة «أميركا الحبيبة» الواضح جدّاً لمن يقرأ معاني الكلمات عن التزام بلادها بلبنان حرّ سيّد ومستقل. ونقطة على السطر ـ لا أكثر ولا أقلّ، لم يقنعهم بأنّ لا أحد يقف إلى جانبهم سوى المستفيد من تدمير لبنان والمنطقة بالمنطق الأعوج وسلسلة الاتهامات التي يسمّونها اتهامات سياسية، وهي في الواقع تنفيس عن مشاعر فردية ليس أكثر.

في خطابه أمام المسجد يوم تشييع اللواء وسام الحسن، خاطب السنيورة رئيس وزراء بلاده: «يا ميقاتي…» ولم يخاطبه رسمياً كما يجب بكلمة «يا دولة رئيس وزراء لبنان»، فكشف أنّ الأمور شخصية، والمشاعر شخصية، والدوافع شخصية أيضاً تستمدّ قوّتها من المايسترو ذي الألسن السبعة والأوجه السبعة، وما لا يحصى من الأيدي التي تحرّك خيوط اللعبة.

هل يشترط تيّار المستقبل على حكومة ميقاتي أن تنهي مشكلة الإسلاميين الموقوفين مثلاً؟ أو أن تلبّي مطالب الناس بتوفير المازوت مع مطلع موسم البرد والصقيع؟ هل يشترط أن تنهي حكومة ميقاتي مشكلات الأملاك البحرية ومشكلات كلّ السارقين والناهبين؟ هل يطرح تيّار المستقبل والسنيورة مطلباً شعبياً واحداً يلقى إجماعاً من قبل الشعب اللبناني؟ هل يمكن تلخيص كلّ مأساة هذا الوطن فقط بوجود حكومة ميقاتي، وبزوالها تزول كلّ الهموم والمشكلات التي عجزت حكومته وحكومة رئيس التيّار الحريري عن حلّها طوال سنوات ستّ؟ هل يمكن اختزال كلّ المشكلات وربطها كلّها بزوال حكومة ميقاتي؟ وأخيراً، وليس آخراً: لا بدّ من سؤال هو التالي:

هل يكفي ترديد أهزوجة: أن حزب الله وسلاح الغدر وحلفاء إيران والفرس، وأنّ بشار الأسد هو المسؤول عن اغتيال وسام الحسن، وأنّ المحكمة الدولية وجّهت الاتّهام إلى أعضاء من حزب الله، وأنّ ما يقوله شمعون بيريز وإيهود باراك وبنيامين نتنياهو من أنّ حزب الله هو حزب إرهابيّ، لإقناع الشعب اللبناني أنّ العنزة تطير؟
العنزة عنزة أيّها السادة، ولا يمكن للعنزة أن تطير إلّا في هلوسة الحالمين مع كوابيس تمنياتهم في النهار.

السابق
الجيش البناني يعثر على جهاز تنصّت في بليدا
التالي
المستقبل يورّط حلفاءه في سياسة المقامرة