الجيش ليس حلاً في البقاع

 عد اكثر من عقدين على اتفاق الطائف بقيت محافظة البقاع خارج اي خطة انمائية، واستعيض عن هذا النقص الفادح في الحياة العامة في هذه المنطقة بمزيد من الخطط الامنية والعسكرية وكانت الوصاية السورية كاتما لاوجاعها وناظما لانشطة اقتصادية غير قانونية اغنى الحكومات المتعاقبة ونواب المنطقة والقوى السياسية عن بذل الحد الادنى من الجهد لاحداث نقلة تنموية تخرج هذه المنطقة من دوامة الاهمال المتوارث من زمن الاقطاع التقليدي الى زمن الاقطاع الحديث بوجوهه المتنوعة.

 
اذ كيف يمكن تفسير ان منطقة بعلبك الهرمل، تحوز الرقم القياسي بين المناطق اللبنانية، في عدد مذكرات التوقيف الصادرة في حق ابنائها وهي بعشرات الالاف، وهم الاكثرية بين ابناء المناطق الاخرى في سجن رومية؟ وكيف صارت ملاذا للعديد من العصابات التي تعتمد وسائل الخطف والابتزاز وخزان السيارات المسروقة؟ وقبل ذلك وبعده كيف بقيت بعض وديانها ومناطقها النائية مساحة لزراعة نبتة الحشيش وتصنيع المخدرات وتصديرها؟
 
كل هذه المظاهر التي اشرنا اليها، شهدت في السنوات الاخيرة دخولا لعناصر مخلة جديدة تمثلت في تجارة الاسلحة الناشطة، وازدياد عمليات السلب والقتل، بما فاق السنوات السابقة وصولا الى الحرب الاهلية في العام 1975. ربما هذا ما دفع الجيش اللبناني الى التحضير والبدء بتنفيذ خطة امنية متعددة المراحل على طول وعرض منطقة بعلبك الهرمل والبقاع عموما، وهي خطة تسكينية في طبيعة الحال، فقصارى ما يمكن ان تحققه هو خفض منسوب الجرائم ولجم تنامي تجارة السلاح والحد من ظاهرة توسع زراعة المخدرات من دون انهائها.
 
البقاعيون او ما يسمى في المواسم الانتخابية "خزان المقاومة" خبروا هذه المسكنات اما الأمان الاجتماعي والاقتصادي الذي ينشدونه هو في مقلب آخر، او في زمن "الغائب" لا يمتلكه الجيش ولا القوى الامنية، ولاحزب الله الذي وان كان المقرر في تمثيل بعلبك-الهرمل في المجلس النيابي طيلة عقدين من الزمن ، فهو لا يبدو قادرا على قول شيء غير تحميل الدولة مسؤولية التدهور الانمائي والهجرة المتنامية والمتدفقة نحو الضاحية وسواها ونحو مزيد من الآفاق المسدودة، الا افق الخروج على قانون لم يراعِ حقوقهم.
 
المسكنات الامنية ومؤسسة حزب الله التي تحولت الى مصدر لسد الرمق لدى جزء من ابناء المنطقة، وباتت لدى فئات مصدر رزق وفرصة نفوذ، لم يوفر ذلك كله الآمان المطلوب بل زاد من خلل انسحاب الدولة ولم يلجمه. حالة التململ ليست خافية وتعبيراتها متنوعة منها ازدياد جرائم السرقة في المنطقة نفسها، وتنامي ظاهرة التشبيح والخوّات داخل مدينة بعلبك على سبيل المثال لا الحصر لا بل شهدت المدينة في الاسابيع الماضية مظاهر فلتان امني وابتزاز طال بعض المؤسسات التربوية، ادى الى عمليات اطلاق نار باتت امراً متكررا.
 
الازمات المتنامية امنيا واجراميا وازدياد التوتر والنفور بين العشائر حينا، ومع نفوذ حزب الله حينا اخر، والتصادم مع الاجهزة العسكرية والامنية مؤشرات دالة على ان ثمة ما ينذر بمزيد منها. فالعملية التي يستعد لها الجيش وبدء عمليات مداهمات تتصل بعمليات الخطف، الى بدء اتلاف المزروعات الممنوعة. عملية تحظى بتشجيع من الشيعية السياسية فضلا عن الحكومة كما لم يسبق من قبل. تشجيع مطلوب لكنه في موقع لا يحسد عليه، بسبب الحل الامني المتحكمة بأداء الحكومة في مقاربة هذه المناطق الحدودية المهملة من قبلها والمتروكة للبؤس والحرمان ولخيارات بعيدة عن القانون، لن تؤدي الى النتائج المتوخاة، البقاع وبعلبك الهرمل تحديدا هي اشبه بمستودع القنابل العنقودية مرشح لأن تنتشر محتوياته على امتداد الوطن وعلى الحدود مع سورية.
 
البقاع، ومحافظة بعلبك – الهرمل تحديدا،  الامن هو الاجابة  الوحيدة التي تلقتها وقايضتها بها الحكومات المتعاقبة بعد الطائف. حكومات كان "المحرومون والمستضعفون" في صلبها  طيلة عقدين من الزمن والمأزق الى ازدياد .لكنه وجود لم يخفف من الخيبة بل عمّق اليأس من الدولة وفرض على الناس خيارات هي من زمن الغزو والسطو بحثا عن الماء والكلأ. زمن ما قبل الدولة.

 

السابق
الان عون: الدوائر المصغرة يفصلها كل شخص على قياسه
التالي
الأنوار: موقف جنبلاط يعرقل مشروعي الحكومة والمعارضة ويطرح مصير الانتخابات