سوءُ الظن من حُسن الفِطَن

اعتاد المتحدثون باسم النظام السوري، والآخرون المتحدثون باسم الجنرال عون وحزب الله، في الأسابيع الأخيرة، على الترداد والتكرار: لقد ثبت أنّ نهج المقاومة والممانعة كان على حق، وقد حقق الاستقرار والردع للعدو. فالمواطن (الوطني) العاقل يكون عليه إذا قدّم المصلحة الوطنية والقومية والإسلامية، أن يبقى في سوريا ولبنان والعراق والأردن مع هذا النهج، أو يحصل له ما حصل في البلدان العربية الأخرى من الاختراقات الأميركية والصهيونية!

بيد أنّ الذين لا يملّون من تكرار هذا الخطاب، يعرفون أن لا صدقية له، وما كانت له صدقية قبل الثورات، فكيف بعدها. فالنهج «المقاوم» هذا هو الذي كان سائداً في غالبية هذه البلدان، وهو الباقي في أكثرها حتى الآن: فأين الاستقرار في العراق، وأين الاستقرار في لبنان، بل - وعلى وجه الخصوص - أين الاستقرار في سوريا؟ وإذا كان هؤلاء الدعاة يشيرون إلى ما حصل في ليبيا، فإن ما حصل ويحصل في سوريا والعراق أفظع بكثير. ومع ذلك فإن ليبيا تسير في طريق التحول الديمقراطي. والذين يعرقلون هذا المسار بالجماهيرية السابقة، من المتطرفين والإرهابيين، كانوا هم حلفاء نظام الممانعة والمقاومة في سوريا، وهو الذي أرسلهم الى العراق ولبنان، بينما أرسل المفخخات إلى الأردن. وصحيح أن النظام السوري ما عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، لكن أين هي المساعي التي بذلها لتحرير الأرض ولو من طريق التفاوض؟!

ويمكن للنظام السوري أن يفخر مثلاً بدعمه لحزب الله، لكن أين السياسات التحريرية للحزب بعد العام 2006؟ يقول الحزب أنه انتقل من التحرير إلى الردع، وقد قال أخيراً إنه سيكافح الولايات المتحدة بسبب الفيلم المسيء للنبي! وقال على لسانه الجنرال عون إنه سيمنع التوطين! ثم إن هذا الحزب الحريص على الأرض والشعب وحُرمات النبي والدين، كيف يستحلّ الدعم للنظام القاتل، ويتغاضى عن عشرات ألوف القتلى الذين سقطوا ويسقطون على أيدي نظام الممانعة، الذي ما أطلق رصاصة على إسرائيل بعد العام 1973 مع أن 15٪ من أرض سوريا محتلة منذ العام 1967؟!

وما يقال عن نظامي الأسد وحزب الله، يقال عن النظام الذي يحاول المالكي إقامته. فالعراقيون الذين هربوا بمئات الآلاف من الغزو الأميركي، ثم من نظامه وإلى الأردن وسوريا ولبنان، ما تركوا سوريا بعد الثورة فيها، إلا وبدأ السوريون يتدفقون على تركيا والأردن ولبنان… والعراق، لاجئين من الهول الأعظم! وهكذا فان أنظمة المقاومة والممانعة ليست أنظمة رحابة واستقرار، بل هي أنظمة طاردة وقامعة. وقد تشردت ملايين من سوريا والعراق، فضلاً عمن قتلوا بالنار أو في المعتقلات، وصار لبنان على كف عفريت بسبب سياسات الحزب الذي يمارس العنف ضد المواطنين اللبنانيين، بقدر ما يمارسه ضد العدو الصهيوني أو أكثر، والسنوات السبع الأخيرة شاهدٌ على ذلك!.

في أسبوع واحد، قال نوري المالكي في النجف، وقال الأمين العام المساعد لحزب الله، وقال نائبان من كتلة الجنرال عون، إن على النّاس أن يتقوا ويُحسنوا الظن بمحور الممانعة البادئ من طهران، وبناء على الوقائع والسياسات السابقة. والوقائع والسياسات السابقة والحالية قاتلة وطاردة وباعثة على الهروب والهجرة إلى شتى بقاع الأرض (ما عدا طهران بالطبع!)، ولذا يصح المثل القائل: إنّ سوء الظن من حُسن الفِطَن!
  

السابق
الباخرة الأممية كارولين انطلقت من مرفأ الناقورة
التالي
ما حول الفيلم والرسوم المسيئة!