فخامة الحاضر الدائم

مرة أخرى يعوّض حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عن غياب الحكومة ورئيسها المفترض نجيب ميقاتي!
.. تَلقَّفَ كرة النار التي رماها رئيس "الحرس الثوري" الإيراني، وأعادها إليه. متصرفاً وفق الأصل ومُعطياً النعامة تذكرة ذهاب الى صاحب فيلم النأي بالنفس، فعنده ترتاح أكثر. وتجد نفسها في بيئة ملائمة تماماً. حيث سياسة دفن الرأس بالرمل. إزاء اعتداءات الأسد النارية، واعتداءات إيران اللفظية، تبدو منهجاً أصيلاً أكثر من كونها ردّ فعل يطلب أصحابه السترة!

والحال وواقعه، أنه لم يعد خبراً جديداً الكلام عن أداء ميقاتي وحكومته، ولا عن إنجازها الأهم المتمثل بمعاقبة اللبنانيين مرتين: مرة بوجودها في حدّ ذاته. ومرّة بابتزازهم بالبديل منها في حال انهيارها. كما لم يعد خبراً جديداً الكلام في المقابل، عن أن رئيس الجمهورية "يفشّ خلق" اللبنانيين في كل مرّة يتعرضون فيها لاعتداء على كراماتهم ومشاعرهم وسيادتهم وأمنهم، ويتولى مرة تلوَ مرة، مهمة (أو مشقّة) إبقاء من بقي على إيمانه بالدولة ومؤسساتها ورجالها ومشروعها الخلاصي!

… الاستباحة النارية الأسدية المتكررة للمناطق الحدودية شمالاً وبقاعاً. والاستباحة السياسية الإيرانية للمصير الوطني اللبناني برمّته، واعتبار لبنان بمن فيه امتداداً للقوس الممتد من الهزارة الأفغان الى حكومة المالكي في العراق الى سلطة الأسد في دمشق.. كل ذلك، ليس تفصيلاً يحتمل الابتعاد عن الغوص فيه، ولا مسألة طافية فوق عمق هادئ ومستقر، إنما أمرٌ خطير وكبير وأساسي، إلا إذا افترض رئيس الحكومة المفترض، أن ما يجري في عكار وعند حدود القاع وعرسال، وما يقوله كبار المسؤولين الإيرانيين هو أمر طبيعي وتلقائي، وترجمة مُثلى لنفوذ الطرفين في لبنان عموماً وفي الحكومة تحديداً، وبالتالي لا داعي بعد ذلك لتأكيد المؤكد وعلك الهواء..

ما فعله رئيس الجمهورية في قضية ميشال سماحة والاعتداءات الأسدية بالأمس، وما فعله اليوم في قضية "الحرس الثوري" الإيراني، ليس فقط تسجيلاً لموقف تفرضه موجبات المسؤولية الوطنية العامة، إنما هو في بدايته وخلاصته، تأكيد كبير وخطير لسياسة ترفض قبول الاستمرار في استباحة لبنان واللبنانيين، واعتباره واعتبارهم مجرّد أوراق كثر تُرمى على طاولات التفاوض أو الابتزاز أو تأكيد سعة النفوذ أو التهديد.. أو النظر إليه وإليهم، أرواحاً وعائلات وأرزاقاً ودولة ومؤسسات وطرقاً ومستشفيات ومعاهد ومدارس وجامعات ومطاعم ومطاراً وأبنية وأحياء وشجراً وبحراً وأنهاراً، مجرّد مستودع ذخائري إضافي يفتح مصراعيه، كما تفتح مستودعات الصواريخ، كلما تصادمت مشاريع الجبابرة في المنطقة، وكلما عنَّ على بال مسؤول إيراني أن يوجّه رسالة الى الأميركيين أو الإسرائيليين أو غيرهم، أو كلّما رأى طاغية دمشق في منامه أن "خلاصه" يكمن في إحراق لبنان!

خطْبُنا جلل.. لكن من جديد فخامة الرئيس: شكراً لـِ "حضورك"!
 

السابق
في محطّة الأمم المتحدة
التالي
حواجز محبة وتفاح لمركز التشخيص الطبي في صور