هـذا البحـر لـي..

ينطلق قارب الصياد عدنان برفقة خمسة مشاركين، الساعة الخامسة من ميناء عين المريسة، وتنطلق معه حكاية الشاطئ التي ترويها تانيا الخوري (إحدى المنظِّمات). تم اختيار مواقع «عجرم»، «ريفييرا»، «سبورتنغ»، الحمام العسكري و«موڤنبيك» لسرد قصصها من خلال تحليل تاريخها العقاري والاجتماعي والقانوني. أما منطقتا الدالية والرملة البيضاء فتم التركيز عليهما بسبب استمرار خلوهما من الإنشاءات التي ضربت المساحات الأخرى المماثلة. وذلك للتفكير في مفهوم وتعريف المكان العام في بيروت.
فتحت عنوان «هذا البحر لي»، تنظم «مجموعة الديكتافون» رحلات بحرية في قارب صيدٍ صغير، من ميناء عين المريسة في بيروت وصولاً إلى شاطئ الرملة البيضاء. هذه الرحلات الاستكشافية على طول الشاطئ الممتلئ بالمسابح والمنشآت والمرافق السياحية تهدف إلى التعريف بملكية هذه الأماكن والقوانين التي تحكمها، وممارسات مستخدميها.
يدخل المشتركون إلى الأملاك المذكورة من البحر، حيث لا يعيقهم سياج يحيط بـ«عقار خاص» يمنع دخولهم. فامتداد المجال البحري العام هو بحسب القانون، من البحر حتى أقصى حد يصل إليه الموج ويرتفع فيه منسوب المياه. لذا من حق أي مواطن الاستفادة من هذه المساحة التي منحه إياها القانون. وباستطاعة من أراد من المشاركين السباحة في هذه المساحة العامة.
هذه الرحلة التي تروي تاريخ ملكية الأراضي من خمسينيات القرن الماضي حتى اليوم، هي نتيجة أبحاثٍ ودراسات معمقة أجرتها عبير سقسوق (إحدى المنظِّمات) عن المساحة الممتدة على طول شاطئ بيروت. فاستعانت بالخرائط والوثائق التاريخية لعقارات الواجهة البحرية، بالإضافة إلى الصور الجوية التي كانت تعتمدها الشرطة العسكرية الفرنسية أيام الانتداب. كما أنها استعانت بشهادات العديد من السكان ومرتادي هذه الشواطئ والصيادين القدماء الذين أضافوا معلوماتهم الحية وذكرياتهم عن الواجهة البحرية. ووفقا لهذه المعلومات والإفادات العقارية العائدة لساحل بيروت، رسمت المجموعة خريطة للساحل تتضمن أشكالا مختلفة من استغلال الشاطئ البيروتي من قبل أصحاب المنشآت والمرافق، إضافة إلى رسم المستويات المتعدّدة للمخالفات الواقعة على عقاراته. فمعظم الملكيات البحرية غير شرعية وناتجة عن استثناءات قانونية لأصحاب النفوذ. وأمام هذا الواقع، لم تتعامل الدولة مع هذا الموضوع من باب أحقية المواطنين في الاستفادة من الشواطئ أو حماية البيئة الساحلية، بل من منظور ضمان مزيد من الربح، من خلال الضريبة السنوية التي تفرض على المستثمر الذي استغل المساحة الساحلية مقابل السماح له بتشغيل المرفق السياحي.
وتسعى المجموعة إلى التفريق بين التمدن الناتج عن الحرب، والتمدن الناجم عن عملية إعادة الاعمار التي تلت الحرب. هذان النمطان من التمدن، فضلاً عن الاستغلال غير الشرعي للواجهة البحرية، هي ظواهر تحول دون حق الناس في امتلاك حيزها العام. وإعادة هذا الحق للناس هو ما تعمل فرقة الـ«ديكتافون» عليه ولو بشكل مصغر جداً، من خلال هذه الرحلات.
مجموعة الـ«ديكتافون» المؤلفة من ثلاث شابات (بترا سرحال، تانيا خوري، وعبير سقسوق) أنشئت بهدف البحث عن المساحات الطبيعية العامة في المدن، وتنظيم نشاطات عامة تستخدم فيها الفنون الحية كوسائل للتعليق على هذه المساحات، بالإضافة إلى اعتمادها أسلوب تبادل المعلومات بين الباحثين وسكان المساحة التي يتم العمل عليها. وتؤمن المجموعة أن هناك حاجة جماعية إلى «التفكير» بالمفاهيم «العامة» في لبنان، وإلى «تخيل» طرق معالجتها الجماعية.
وتستمر هذه الرحلات اليومية التي بدأت في الثامن والعشرين من آب، حتى الثامن من أيلول الجاري، من الساعة الخامسة حتى السابعة من بعد الظهر. 
 

السابق
صيدا تعيش أسوأ أيام التلوث جراء اشتعال جبل النفايات
التالي
من أفقر لبنان أيها المسؤولون