كيف يصوِّب جنبلاط على الأسد

الأسد شيء و"حزب الله" شيء آخر. حتى الآن، يحرص النائب وليد جنبلاط على تمييز موقفه. فالطلاق جائز مع نظام يترنّح أمام الثورة. أمّا الطلاق مع حزب يمثّل جزءاً أساسياً من النسيج اللبناني فيهدّد بمخاطر يصعب تقديرها.

لذلك، كان جنبلاط واضحاً في اللقاء مع الرئيس سعد الحريري: الاتّفاق ممكن على كل شيء… إلّا على إسقاط الحكومة. فهذا تعهُّد قطعه جنبلاط على نفسه أمام "الحزب". وفي عبارة أخرى، هذا هو الشرط الذي يتيح لجنبلاط شنّ حربه الضروس على النظام السوري، من دون أن يخشى ردّة الفعل السلبية على حياته والمحيطين به والأنصار.

وهو يفسّر تالياً اللغز الذي يصعب على الكثيرين حلّه: كيف يستطيع جنبلاط إطلاق النار بلا هوادة على الرئيس السوري بشّار الأسد، من دون أن يمرّ الرصاص بحليفه اللبناني الأقوى "حزب الله"؟

يقول أحد أركان 14 آذار: ذهب جنبلاط بالجملة إلى فريق الغالبية الحالية، لكنّه يعود منها بالمفرّق. فقبل نحو عامين، وإثر التهديدات التي طاولته في أمنه الشخصي وأمن الجبل والدروز، غادر جنبلاط سرب 14 آذار مُكرَهاً، وعمَد في شكل طارئ إلى تطبيع قسري مع "حزب الله" ودمشق معاً.

وكان "الحزب" وآخرون من 8 آذار قد مهّدوا له طريق الشام. يومذاك، كانت كوابيس أيار 2008 مقيمة، ولم يكن الوقت يسمح بالتأنّي. فالنظام كان آمناً ويستعدُّ لخطوات تعيد إليه نفوذه المفقود في لبنان. وعانت 14 آذار تراجعات أودت بجنبلاط نفسه إلى تسهيل إخراجها من السلطة. فـ"الربيع العربي" لم يكُن قد لفح دمشق.

أما اليوم، فيعيد جنبلاط تموضعه في كثير من التأنّي. فهو سارع إلى فكّ الارتباط مع النظام. وفي ذلك حقّق نصف عودة إلى موقعه السابق. لكنّ النصف الثاني مرهون بالتزام أمام "حزب الله" لا يغامر جنبلاط بالتخلّي عنه.

جنبلاط تعهّد لـ"الحزب" بالآتي: البقاءُ في عداد الغالبية التي تتألف منها الحكومة الحالية، وعدم إسقاط هذه الحكومة تحت أي ظرف، وعدم الانخراط في الحملة ضدّ سلاح المقاومة.

وحتى اليوم، لم تطأ قدما جنبلاط أيّاً من هذه الألغام. وهو لن يفعل، مهما رفَعَ السقف في الملف السوري أو ساوم في ملفات داخلية أخرى كقانون الانتخاب.

وفي الفترة الأخيرة، شارك جنبلاط رئيس الجمهورية ميشال سليمان تحفّظاته في تفسير ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة"، لكنّه لم يخرج عن السقف. وليس متوقَّعاً أن يقوم بذلك حتى بروز متغيرات جذرية للمعادلات على الساحة الداخلية.

ليس بالخوف وحده…

لن يغامر جنبلاط بالعودة إلى الخطر الجسدي الذي كان داهماً وتسبّب في مغادرته 14 آذار. ويزداد الاقتناع بأنّ جنبلاط لا يخشى النظام السوري، أو على الأقل لم يعُدْ يخشاه اليوم، لكنّه يخشى "حزب الله"، أو على الأقل ما زال يخشاه حتى الآن. وهناك مغزى للتهديدات التي طاولت في الفترة الأخيرة نواباً قريبين من جنبلاط، وما تتضمّنه من رسائل إليه شخصياً.

لكنّ المصادر القريبة من جنبلاط لا تريد القول إنّ العلاقة مع "حزب الله" محكومة بهواجس الأمن. وهي تحرص على تأكيد أنّ هناك مصلحة لبنانية عامة في الإبقاء على مستوى من التفاهم مع "الحزب"، بما يتيح له البقاء تحت سقف المعادلة اللبنانية الداخلية.

وهذا هو عمق المحاولة التي عمد إليها جنبلاط، تحت لواء 14 آذار في العام 2005، عندما راهن على أنّ "الحلف الرباعي" سيكفل استيعاب "حزب الله" في الحالة اللبنانية بعد خروج سوريا.

فالحوار مع "الحزب" يُقرِّبه من هذه الحالة والصدام معه يبعده ولا يوصل إلى نتيجة، خصوصاً أنّ ما من طرف قادر على نزع سلاح "حزب الله" خارج سياق التفاهم السياسي.

وعلى رغم انقطاع التواصل على مستوى القمة بين الجانبين، يحرص الحزب التقدمي الاشتراكي و"حزب الله" على نمط روتيني من التشاور واللقاءات، خصوصاً على مستوى الوزراء والنوّاب والكوادر، للحفاظ على استقرار الجبل ومعالجة الإشكالات التي تقع بين الحين والآخر.

وتبدو العلاقة بين المختارة و"حزب الله" خياراً اضطرارياً لكلّ منهما. فجنبلاط يحتاج إليها أمنيّاً وسياسيّاً لضمان "استقراره"، فيما "الحزب" لا يغامر بهذا الشريك القادر وحده على الاضطلاع بدور الوسيط مع الخصوم الحاليين.

فـ"الحزب" يدرك مصلحته، وهو قد يحتاج إلى وسيط يعيد تواصله مع الحالة اللبنانية عندما تتبدَّل المعادلات الكبرى في سوريا وسواها. وسيكون جنبلاط الأفضل في هذا المجال، لأنّه الأوفر رصيداً لدى الجميع، على ضفّتي القتال.  

السابق
مذكرة
التالي
إطلاق مهرجان شويا الأول