الأخبار: انتفاضة اليمونة: دفاعاً عن الأرزاق

يبدو أن الحشيشة لم تعد للكيف، فمع كل موسم لها تندلع جبهات قتالية بين مزارع لم يحصل على بديل عنها، وبين دولة تتغاضى عن همومه ومشاكله، وتصر على إتلافها سنوياً. يوم أمس حصلت المواجهة في اليمونة. عبوات ناسفة وقذائف صاروخية، واستهداف لمركز أمني واربعة جرحى أمنيين. فماذا بعد؟

يوم عصيب آخر عاشته القوة الأمنية المكلفة إتلاف حقول الحشيشة في بعلبك ــ الهرمل، وكذلك أهالي بلدة اليمونة، الذين التزموا منازلهم منذ الصباح الباكر، نتيجة الاشتباكات العنيفة التي حصلت بين مزارعي الحشيشة، وبين قوة الإتلاف. هكذا أرادها مزارعو حشيشة الكيف، الذين اتخذوا قرارهم القاطع "بالدفاع عن أرزاقهم"، بشتى الوسائل والأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وبأنها ستكون "مواجهة حتى يتوقفوا عن عملية الإتلاف". في المقابل، يبدو أن لدى قيادة القوة الأمنية إصراراً على إتلاف حقول الزراعات الممنوعة "مهما كان الثمن".
تحذيرات مزارعي الحشيشة وتهدبداتهم برزت بوضوح صباح يوم امس، لدى توجه قوة من مكتب المخدرات المركزي وقطعات قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني والجرارات الزراعية باتجاه بلدة اليمونة لإتلاف حقول الحشيشة فيها، عبر طريق دير الأحمر ــ عيناتا، حيث فوجئت القوة بانفجار عبوة ناسفة زرعت إلى جانب الطريق العام في محلة "العيارة" بالقرب من بلدة المشيتية، وإطلاق ثلاث قذائف صاروخية من نوع "B7"، من قبل مسلحين انتشروا في الجرود الحرجية المطلة على الطريق، الأمر الذي أسفر عن إصابة أحد ضباط الجيش اللبناني برتبة رائد في رقبته وعطب آلية عسكرية مجنزرة للجيش، بحسب ما أكد مصدر امني لـ"الأخبار".
وفي موازاة انفجار العبوة على طريق دير الأحمر ــ عيناتا، هاجم مسلحون يستقلون سيارتين من نوع "جيب شيروكي"، إحداهما نبيذية اللون، مبنى مخفر درك بعلبك ومفرزة بعلبك القضائية، حيث أطلقوا النار عليهما من أسلحة خفيفة وأخرى متوسطة نوع "BKC"، ما أدى إلى إصابة عنصرين عند المدخل هما المعاون الأول في قوى الأمن الداخلي أ. أ الذي أصيب بطلق ناري في رقبته، والرقيب م. ر الذي اصيب أيضاً في ساقيه وخاصرته. وفي الوقت الذي فرّ فيه مطلقو النار إلى جهة مجهولة، نقل المصابان إلى احد مستشفيات المنطقة وهما "بحالة مستقرة طبياً" كما أكدت مصادر طبية لـ"الأخبار".
بعض أصحاب الجرارات الزراعية المشاركين في عملية الإتلاف، اتخذوا قرارهم عدم المضي في عملية الإتلاف والمغادرة، في حين باءت محاولات البعض الآخر للمغادرة بالفشل بعد ردعهم من قبل القوى الأمنية. تعزيزات الجيش اللبناني وصلت إلى مكان انفجار العبوة لتتحرك من بعدها القوة بأكملها باتجاه بلدة اليمونة، التي ما لبثت أن شهدت مواجهة عنيفة بين الجيش من جهة وبين مزارعي الحشيشة من جهة ثانية، استمرت على مدى 45 دقيقة، استخدمت في خلالها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وقذائف صاروخية من نوع "B7"، وأخرى هاون، أدت إلى إصابة أحد عناصر الجيش اللبناني والذي نقل بآلية عسكرية إلى احد مستشفيات المنطقة، بالإضافة إلى انفجار عبوة ناسفة كبيرة زرعت تحت جسر في البلدة وأدت إلى عطب جرار زراعي، وعطب جرافة كبيرة مخصصة للتلف، بقذيفة هاون.
ومع تصاعد وتيرة الاشتباكات، ارتفعت سحب الدخان من أحراج بلدة دار الواسعة، المطلة على اليمونة، حيث تبين أن حريقاً شب في الحرج نتيجة سقوط عدد من القذائف الصاروخية. وعلى أثر ذلك، سارعت سيارات الدفاع المدني إلى إخماد الحريق الذي انتشر سريعاً بالنظر إلى الأعشاب اليابسة وسرعة الرياح، والذي طال أكثر من خمسة عشرة دونماً من أشجار السنديان.
القوة الأمنية، وأمام حدة الاشتباكات واستهدافها المباشر، توقفت عند المدخل الشمالي الشرقي لبلدة اليمونة، واستقدم الجيش تعزيزات إضافية، وعمل على تطويق بلدة اليمونة من جهة عيناتا ــ دير الأحمر، ومن جهة دار الواسعة ــ شليفا، بالإضافة إلى الشروع في تفعيل دور التفاوض مع المزارعين من جهة ثانية. مسؤول أمني أكد لـ"الأخبار" أن "الوضع خطر للغاية"، خصوصاً أن معلومات أمنية تشير إلى "وجود عدد كبير من المسلحين في البلدة وجرودها الواسعة، يناهز الـ200 شخص مجهزين بأسلحة متوسطة، وهدفهم ردع القوة الأمنية عن إتلاف الحشيشة".
المفاوضات مع مزارعي الحشيشة، والتي استمرت ساعات، أثمرت منتصف ظهيرة يوم أمس السماح بانطلاق "محدود" لعملية إتلاف لبعض حقول الحشيشة عند اطراف بلدة اليمونة، في الوقت الذي وصلت فيه طوافتان عسكريتان للجيش حلقتا في سفوح الجرود التي تحيط بالبلدة من الجهات الأربع، ولاحقت عدداً من المسلحين ومطلقي النار.
بلدة اليمونة من جهتها، خلت شوارعها منذ الصباح من أي حركة تجول. التزم أبناؤها المنازل، بناءً على التحذيرات أطلقت باكراً من قبل مزارعي الحشيشة عبر مكبرات الصوت بالتزام الأهالي منازلهم، وعدم التجول حرصاً على سلامتهم. أحد المعنيين في البلدة أكد "فشل محاولات التهدئة" مع المزارعين، الغاضبين لإتلاف حقولهم التي تعتبر "مصدر رزقهم السنوي"، مشيراً إلى أن "تحذيرات أطلقت من قبل المزارعين تجاه أهلهم منعاً لإصابتهم بأي أضرار". إلا أن اللافت ما كشف عنه ابن البلدة لجهة أن في اليمونة "ما يقارب 500 مسلح من غالبية قرى بعلبك ـــــ الهرمل، موجودين هون باليمونة ودار الواسعة، وهدفهم عدم السماح بإتلاف رزقنا ورزق أولادنا".
إلا أن الجدير ذكره أن عملية إتلاف بعض حقول الحشيشة في اليمونة شرعت بها آليات مجنزرة للجيش اللبناني (ملّالات)، ليتبعها بعد ذلك مشاركة من قبل عناصر مكتب المخدرات وقوى الأمن الداخلي، والجرارات الزراعية. فقد كشف ابن اليمونة عن أن أحد الشروط الأساسية التي اتفق عليها بداية كانت السماح بعملية الإتلاف شريطة "أن يبقى مكتب المخدرات المركزي والجرارات الزراعية خارج العملية، وأن يقوم الجيش بالعملية"، مشدداً على أن اليوم (السبت) "لن يشهد عملية إتلاف حشيشة نهائياً في اليمونة". وقال "مبارح كارمناهم، بس اليوم ما رح نسمح يتلفوا اللي تعبنا عليه وزرعناه"، مستطرداً: "يمكن أن نسمح لهم بذلك إذا دفعوا للمزارعين تعويضات عن خسارة رزقهم، وتوقفوا عن الضحك ع الناس والحديث عن زراعات بديلة أو سياسات زراعية بديلة".
في المقابل، أكد مسؤول أمني لـ"الأخبار" استمرار عملية إتلاف الحشيشة من دون تأكيد ما إذا كانت ستشمل اليوم حقول اليمونة ودار الواسعة، مشيراً إلى معلومات تؤكد "إصرار المسلحين الموجودين في البلدتين على المواجهة القاسية وبكافة الوسائل المتاحة".   

السابق
الديار: بيع أراض في جبل لبنان يُفقد المسيحيين أراضيهم تدريجياً
التالي
الجمهورية: ترميم الوضع الحكومي موقّت وقابل للإنفجار