مملكة التنظير هل يصلها ام يفوتها التغيير؟

لم تكن المملكة العربية السعودية بعيدة يوماً عن ما بات يعرف بالربيع العربي. فرغم انها "ام الولد" لاحتجاجات شعبية انطلقت قبل ربيع العرب بكثير حينما انتفضت المنطقة الشرقية وتحديداً "القطيف" و"الاحساء"، مرات عديدة في وجه سلطتها اعتراضاً على مبدأ اللامساواة في الحقوق والامتيازات، إلا ان المملكة لا تزال حتى اليوم تنصّب نفسها ملكاً ومنظراً ديموقراطياً من الطراز الاول متفوقة على جان جاك روسو في رسم تعاليم المجتمعات الديمقراطية الحديثة.

في مملكة آل سعود الخاصة، علماً بأنها الدولة الوحيدة في العالم التي يرتبط فيها اسم دولة بعائلة حاكمة منذ عقود، في تلك المملكة لا قوانين مرعية الاجراء سوى قانون الملك الحاكم باسم الدين، في واحة الديمقراطية السعودية ليس هناك جنسية سعودية واحدة بل جنسيات متعددة تتوزع حسب الانتساب العائلي والعشائري والمذهبي، وحسب درجة الولاء او البعد عن العائلة الحاكمة. في مملكة التنظير الديموقراطي على المستوى العالمي يحكم النظام الوحيد على وجه الأرض الذي جعل شعباً ووطناً ودولة، بلا هوية ولا انتماء غير التبعية الاستعبادية لأوتوقراطية عائلية. في مملكة آل سعود تحكم التركيبة السلطوية الوحيدة في عالم اليوم، التي تنتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في ثلاثين مادة فقط من مواده الثلاثين، ولا مبالغة في ذلك اذا ما فصلنا تلك الحقوق الواحدة تلو الاخرى من الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية، إلى الحق في حرية التفكير والضمير والدين، وحق ممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها، مع ما بينهما من أبسط مقتضيات الكرامة البشرية.
ليس مجهولاً انّ ما تشهده المنطقة الشرقية في السعودية من حراك شعبي هو نتيجة طبيعية لمشكلة ما زالت عصيّة على الحل منذ عقود طويلة، ويصطلح البعض على اطلاق تسمية "المسألة الشيعية" عليها، وهي تسمية تحمل في دلالاتها بعداً طائفياً ومذهبياً خطيراً ولا تأتي الا من باب التحريض في بلد يغرق بالتيارات السلفية والوهابية المتشددة المتغلغلة في نظام الحكم وبحيث لا مجال لدى هذه القوى والتيارات بان تسمح لاي اصلاحات او تعديلات قانونية طالما انها تصب في خانة ما ترى فيه مدا ًشيعياً ايرانياً في المنطقة حسب اعتقادها .

ما طالب ويطالب فيه قرابة المليوني شيعي، ما بين 10 و15 في المئة من اجمالي عدد السكان في السعودية، يقطنون بمعظمهم المنطقة الشرقية ليس انفصالاً او حكماً ذاتياً كما يروج البعض، كما انهم لا يبتغون من وراء تحركاتهم التي انطلقت منذ اواخر السبعينات وعادت لتحتدم عند احداث البقيع على شكل مواجهات بين متظاهرين شيعة وقوات الأمن السعودية في شباط الـ2009، ولتنطلق مجدداً في اذار 2011 متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع العام ذاته. قاد هذه الاحتجاجات الشبان السعوديون للمطالبة بإطلاق السجناء وبإصلاحات سياسية واقتصادية. ولم يكن هذا التحرك شيعي محض لكنه إحتوى على بعض المطالبات الشيعية الرافضة لسياسة التهميش والتمييز التي تنتهجها الحكومة إزاء هذه الأقلية المتجذرة داخل النسيج الاجتماعي السعودي.
ما اظهرته الاسابيع المنصرمة من ظهور الاحتجاجات الشعبية داخل مملكة آل سعود الى العلن انما يوحي بأن سياسة التعتيم الاعلامي ودفن الرأس في التراب لم تعد تجدي نفعاً اضافة الى ان اتباع سياسة الحل والحسم الامنيين، كما في حادثة اعتقال الشيخ نمر النمر، فزمن الصقور قد ولى وليس هناك من مجال سوى الاعتراف بالواقع والعمل على اصلاحه قبل ان ينفرط العقد، اسوة بما حصل في تونس البو عزيزي وكتائب القذافي الغابرة وبطش استخبارات مبارك السالفة.

وعليه فإن ليس هناك من مجال امام امراء مملكة ال سعود سوى ان يتعاطوا مع حراك مجتمعهم وهو الذي لا يطالب الا بأصلاح سياسي وملكية دستورية وسيادة القانون بدلاً من ترهات وقواعد دينية باتت لا تمت للواقع بصلة، هذا مع العلم بأن استحضار الوقائع والتجارب التاريخية التي مرت فيها بلاد الحجاز عبر سقوط "الدولتين الاولى والثانية"، يظهر بأن الغاماً سياسية مطلبية قد تفتح شهية المحرومين بعد ذلك لما هو ابعد من اصلاح وبالتالي قد يتحول في لحظة ما الى كرة ثلج تخرج عن سيطرة امراء النفظ وربما حينها يزورهم ربيع العرب ويزهر في بلادهم.  

السابق
تقرير بريطاني: تخطيط جدّي لتدخل عسكري في سوريا
التالي
زوار المقامات المقدسة يروون مشاهداتهم عن مخاطر السفر