اللاعبات المحجّبات: الفيفا يلعب بالنار

أصدر مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم (“الفيفا") الذي يعتبر الهيئة المنظمة للعبة حكماً منتظراً. بات في إمكان النساء ارتداء الحجاب في المباريات الرسمية. هذا القرار الذي أثار ضجّة كبيرة في عالم الكرة المستديرة، كان يصطدم حتى الآن بقوانين ("الفيفا”) عن "الرموز السياسية والدينية".
إذا كانت الخطوة متوقّعة، فهذا لا يعني أنها أقل إيلاماً، فالقرار الذي قضى بالسماح للاعبات المسلمات بارتداء "الحجاب الرياضي" – أي الوشاح الذي لا يغطّي "سوى" الشعر – يثير معمعة كبيرة في أوساط المعلّقين.
الغاية هي "السماح لكل فرق كرة القدم النسائية بالتواجه في الملاعب". حتى تاريخه، كانت أحكام القانون الرقم 4 حول تجهيزات اللاعبين تحظر على أي لاعب أو لاعبة، تحت أي ذريعة، إبراز "أي رمز سياسي أو ديني أو شخصي" على أرض الملعب.
وبناءً عليه، لم يكن يحقّ لبعض المنتخبات النسائية الوطنية التي تتقيّد بشدّة بقاعدة ارتداء الحجاب مثل إيران أو الأردن، المشاركة في المسابقات الدولية.
يقول مؤيّدو قرار السماح بارتداء الحجاب إن قانون المنع كان يُشكّل إجحافاً لا يُحتمَل بحق هؤلاء اللاعبات اللواتي يُحرَمن المنافسة بسبب "التشدّد العلماني" لـ”الفيفا”.
بالنسبة إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الذي يمارس نفوذاً واسعاً ويضم في صفوفه أندونيسيا، البلد الذي يضم العدد الأكبر من المسلمين في العالم (220 مليوناً)، وبدعم قوي من علي بن الحسين، الأمير النافذ في الأردن وأحد نوّاب الرئيس الستّة في "الفيفا"، يأتي تعديل القانون 4 بما يجيز ارتداء الحجاب الرياضي ثمرة عمل طويل. وأقرّ مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم المبدأ في آذار الماضي بعد حملة ضغوط شديدة، وتلاعب دلالي بسيط كان هدفه تقديم شرح رسمي جداً بأن الحجاب هو "رمز غير ديني إنما محض ثقافي" في البلدان الإسلامية، مما يعني أنه يقع خارج نطاق تطبيق القانون الرقم 4.
لقي إعلان قرار المجلس ترحيباً حاراً من المسؤولين في البلدان الإسلامية، لكنه لم يكن موضع استحسان من منظمات الدفاع عن حقوق المرأة مثل الاتحاد الدولي للنساء أو المنسّقية الفرنسية للوبي المرأة الأوروبي، اذ اعتبرت أن هذا التعديل يشكّل ضربة لقضية حقوق المرأة، لأنه لا يحلّ مشكلة عدم المساواة المزعومة، بل يساهم في التسبّب بها. يُخشى في الواقع أن يتحوّل السماح بارتداء الحجاب، فريضة تلزم اللاعبات ارتداءه وذلك على حساب حرية المعتقد لديهن. كما تندّد هذه المنظّمات بالرياء الذي يُصوّر ارتداء قطعة الحرير هذه حتى في الملاعب بأنه انتصار للنساء المسلمات.
ولا بد من التطرّق أيضاً إلى المخاوف التي لا تزال قائمة بشأن النتائج التي يمكن أن تترتّب على الصحة من جرّاء ارتداء الحجاب. وقد عبّرت عنها رابطة القانون الدولي للنساء في منتدى عبر موقع Monde.fr. يبدو أن الخبراء الطبّيين لم يُجمعوا تماماً في تقريرهم الشهير على اعتبار ارتداء الحجاب الرياضي الذي أجازه مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم، خالياً من كل ضرر. وجاء التقرير في شكل خاص على ذكر مخاطر "التمزّقات عند مستوى العنق والشريان السباتي في حال الاصطدام بسرعة كبيرة". لكن "الفيفا" رفض هذه الاعتراضات. فضلاً عن ذلك، يطرح قرار "الفيفا" علامة استفهام مباشرة حول علاقتنا بالدين. ففي هذه المرحلة حيث التشنّجات حول الأمور الدينية تشتدّ حكماً، يجب أن نقلق حيال ظهور مطلب لا علاقة له بالجانب "الثقافي"، مهما جاء في الخطاب الرسمي، بل يرتبط في شكل كامل بالمعتقد الديني.
(…) هل ثمة ما يمنع الطوائف الأخرى من أن تطالب بدورها بالسماح للاعبات بارتداء ملابس دينية، عفواً، "ثقافية" معيّنة؟ بعدما وافق مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم على تحريف القانون 4 من أجل السماح بارتداء الحجاب، هل يمكنه رفض مطالبات مماثلة من دون التسبّب بإجحاف يصعب تبريره؟ وإذا كرّت السبحة، هل يعود بالإمكان وقفها؟ ألم يكن من الأجدى الاكتفاء بعلمانية سليمة، وتطبيقها على الجميع بما يضمن التوازن الديني على أرض الملعب؟ 
 

السابق
دورات تطوير مهارات القراءة والكتابة الصيفية
التالي
صداقة حدودها الملجأ