القادمون الجدد… «حزب الله» من الزاحفين نحو القدس إلى القادمين باتّجاه الجبل

يقف رائد، وهو الاسم الحركي للضابط السابق في جيش التحرير الشعبي التابع لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي"، فوق تلّة مُشرفة على إحدى المجمّعات السكنية ذات الموقع الإستراتيجي في منطقة بشامون، ويقول: "كلّ هذه المباني والمجمّعات المشيّدة هناك جاهزة للسكن، لكن هل تعلم لماذا لم تُسكن حتى الآن؟" يصمت هنيهة قبل أن يجيب: "هناك مخطط أعدّه "حزب الله" للاستيلاء على مناطقنا بدءاً من الشويفات، دير قوبل، بشامون. وهذا معناه أنّ هذه القرى ستهضم لاحقاً لتُستلحَق بالضاحية الجنوبية".

«حزب الله» يحتل قرى ساحل الجبل
"القادمون الجدد"، عبارة يردّدها بعض أهالي قرى الجبل القريبة من الساحل عند حديثهم عن التغيير الديموغرافي الذي دقّ أبواب بلداتهم منذ أعوام قليلة، وتحديداً بعد 8 أيار 2008 يوم استفحل الخلاف بين "حزب الله" وأنصاره من جهة وبين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار "المستقبل" وحلفائهما من جهة أخرى.

وهنا يسأل رائد: "أين سيسكن أولادنا بعد عشر سنوات أو أكثر، إذ لم تعُد هناك أراضٍ صالحة للعمار. وقد استنفذت من متموّلين شيعة يتبعون مباشرة إلى "حزب الله". هذه ضيعتي، هل عليّ أن أسكن في الشوف ليرتاح الحزب؟"، ويُشدّد رائد على أنّ "ما يحصل هنا جريمة لأنّ الخط الساحلي بأكمله أصبح ملكاً لجماعة إيران وهذا الأمر بدأ يثير الذعر في نفوسنا، نحن أبناء طائفة الموحّدين الدروز".

يبدو أنّ القرى الدرزية ليست وحدها من دقّ ناقوس الخطر، فبلدية قرية دقّون الواقعة بين بعورتا وكفر متّى علّقت يافطة كبيرة في ساحتها كُتب عليها "البلدية لن تسجّل أيّ عقار لأشخاص من خارج البلدة"، وهو تصريح واضح برفض إشراك مَن هم خارج نسيج البلدة في ممتلكاتها.

"هذا أفضل ما يجب القيام به"، يقول رائد، مُعبّراً عن غضبه ممّا آلت إليه الأوضاع في منطقته، ويضيف بحدّة: "اليوم أصبح "حزب الله" حاضراً بكثرة في بشامون، خصوصاً في حيّ المدارس علماً أنّ هناك حضوراً سنّياً أيضاً، لكنّ الحضور الفعلي على الأرض هو لحزب الله".

وعلى رغم الاجتماعات الدورية التي تُعقد مع "حزب الله" منعاً لتفاقم الخلافات بين أهالي منطقة بشامون، إلّا أنّ هذا الأمر لا يُعجب رائد على الإطلاق، فيؤكّد أنّه "لو عادت بنا الأيام إلى زمن الميليشيات، لما تَركتُ في هذه المباني حجراً ملاصقاً للآخر ولفجّرتها وأنهيت الموضوع من أصله. تصوّر أنّنا في مناطقنا أصبحنا نُهدّئ من روع الآخرين، ونقول لهم إنّ هذه المنطقة للجميع وعلينا أن نتعايش سوياً ضمنها".

ويسأل: "هل نستطيع نحن القيام بالأمر عينه في الضاحية الجنوبية؟ ويؤكّد أنّ "هناك مشكلةً حقيقية في البلد، فعدد السكان إلى تزايد والانفلاش حاصل هنا أكثر من بقية المناطق، ومَن يدري قد يأتي يوم نصبح فيه مستأجرين داخل مجمّعات حزب الله".

مواقف رائد ربما لم تلقَ لها صدىً واسعاً لدى ملحم السوقي، رئيس بلدية الشويفات التابعة للنائب طلال إرسلان، فهو لا يعتبر أنّ الانتشار السكاني مشكلة، إلّا أنه يلفت إلى أنّ عدد سكان هذه المنطقة كان يبلغ قبل الانفلاش نحو 20000 نسمة، لكن بعده أصبح يتراوح بين 50000 و60000". ويوضح أنّ "الدروز كانوا يمثّلون 60 في المئة والمسيحيين 40 في المئة.

لكنّ الأمور تغيّرت كليّاً اليوم، كون المنطقة أصبحت عبارة عن لبنان مصغّر". وينفي السوقي أيّ مخطّط لقضم المناطق الدرزية "فأبناء الجنوب والبقاع والشوف يسكنون هنا كون هذه المنطقة أرخص وفي الوقت عينه قريبة من العاصمة بيروت".

وهل يوجد مخطّط لتغيير وجهة المنطقة طائفيّاً، يجيب السوقي: "لا نستطيع الدخول في هذه المسائل. فلكلّ صاحب مبنى حرية شخصية في بيع ممتلكاته، ونحن لا نستطيع إلزامه. وأنا شخصيّاً لا تردني أيّ شكاوى من هذا النوع"، ويجزم بأنّ لـ"حزب الله" حضوراً كثيفاً في مناطق خلدة، دوحة الشويفات، عرمون، وفي صحراء الشويفات إلى جانب بقية الأحزاب، وهذا الأمر لا يوّلد "نقزة" لأبناء الطائفة الدرزية، لكنّ اليوم لبنان كلّه "نقزان من بعضه البعض".

وتأكيداً لكلام رائد، فقد تداعى منذ فترة قصيرة عدد من أبناء الجبل عبر "الفايس بوك" للتنديد بظاهرة الفلتان السكاني الحاصلة في قراهم فكتب احدهم: "هذه المباني انتهى العمل منها وأصبحت جاهزة للسكن وهي تقع على مفرق دوحة عرمون ومفرق بشامون والشويفات وخلدة، لكنّها شاغرة حتى اليوم لأنّ صاحب المشروع يرفض بيع أي درزي أو سنّي أو مسيحي"، سائلاً: "هل سيُطرح هذا الموضوع على طاولة الحوار؟"

وتعتبر المجموعة أنّ "هذه الوحدات السكنية أصبحت على شكل مستوطنات داخل الجبل في محاولة لتغيير هويته، وهذه المستوطنات ما هي سوى عينة صغيرة عن مجموعة مستعمرات مقفلة في عرمون وبشامون وغيرها والجميع صامت ومتخاذل"، متوجّهة إلى رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط بالسؤال: "إلى متى تعتقد أننا سنبقى صامتين؟".

وفي السياق عينه، تكشف المجموعة عن "معلومات مؤكّدة عن شراء تلال استراتيجية في قرى مسيحية في منطقة عالية قبالة بيصور، وهذا ما يدفعنا أيضاً إلى السؤال عن سبب اختيار هذه التلال، وهل هي لقطع الطريق بين جرد عاليه والشحار الغربي، لا سيّما ما عُرف في فترة الحرب بطريق الكرامة بين وادي الغابون ومجدليا وبيصور وقبرشمون"، وتختم: "بعض هذه المحاولات أفلحت وبعدها الآخر فشل، وهناك خشية من بدء استيطان سكاني يُلغي مع الوقت وتدريجاً الخصوصية في الجبل".

واليوم، يعود الحديث وبقوّة عن مخطط يهدف إلى تغيير صورة الجبل أو بالأحرى تفريغ بعض قراه من سكانه الأصليين، جرّاء الممارسات القمعية والتحديات المذهبية التي تمارس بحقهم، الأمر الذي يذكّر بالهجمة التي قادها بيض أميركا ضد زنوج أميركا السكان الأصليين، تلك المأساة التي لا تزال قابعة في الأذهان قد تجد لها طريقاً للتنفيذ في الجبل، خصوصاً في ضوء تزايد الأحاديث عن ضرورة التوسع بحدود الضاحية الجنوبية في اتّجاه منطقة الشويفات وصولاً إلى بشامون ودير قوبل، بعدما ضاقت الضاحية بسكانها، الأمر الذي يعني ضرورة البحث عن مساحات بديلة يمكن وصلها بالضاحية حتى لا ينفرط عقد نسيجها الاجتماعي المكوّن منه "حزب الله".

وهنا، تؤكّد مصادر سياسية بارزة في الجبل لـ"الجمهورية" أنّ عمليات شراء أراضٍ في مناطق الجبل "تتمّ عبر متنفذين ينضوون تحت عباءة "حزب الله"، يصار إلى تسهيل أمورهم المادية من خلال مصرف "صادرات إيران". وتهدف هذه العمليات إلى إقامة مجمّعات سكنية وأحياء بكاملها لعناصر الحزب وعائلاتهم على شكل قرى صغيرة من أجل تأمين التواصل السكاني الشيعي بين مناطق الجبل الساحلية والضاحية الجنوبية، ومن ضمن هذا المخطّط فكّ التواصل الدرزي بين هذه القرى".

وتجزم المصادر نفسها بأنّ "المال الإيراني الذي دُفع بعد عدوان تموز، صُرف قسم كبير منه لشراء الأراضي وبناء هذه المجمعات السكنية. فلدينا معلومات تتحدّث عن رصد تحويل مبلغ 200 مليون دولار خلال الأشهر الأخيرة من النظام الإيراني إلى الجهات المالية المختصّة في "حزب الله"، لتمويل دفعة جديدة من الصفقات التي استطاع الحزب عقدها مع مالكي أراض في مناطق عدة من لبنان لشرائها"، وتشير إلى أنّ "قياديا بارزاً في الحزب هو في الأصل سمسار عقارات يدير عملية شراء الأراضي عبر شقيقه ورجل أعمال آخر من الطائفة السنّية".

وتختم المصادر حديثها: "إذا لم نجد حلاً لهذه المعضلة، فمن المؤكّد أنّنا سنصبح جميعاً في لبنان سنة 2020 لاجئين عند "حزب الله" وسيّده الإيراني، وعندها نصبح محكومين لهم في السياسة والأمن والاقتصاد".

لقد خاض "حزب الله" مع إسرائيل صراعات طويلة ومريرة في الوقت عينه، ودفع دماً غالياً للوصول إلى ما هو عليه اليوم، لكن يبدو أنّ الحزب ولكثرة احتكاكه المباشر وغير المباشر مع العدو الإسرائيلي خرج بدرس وحيد وهو سياسة قضم الأراضي وبناء المستوطنات ناسياً قول الله: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ.  

السابق
اعتراف ليبي رسمي : الامام الصدر لم يغادر ليبيا … وكان حياً!
التالي
الولادة المبكرة تؤئر سلباً على القدرات الدماغية للأطفال