بين إطلاق العملاء واعتصام الأسير.. رابط واحد

من يصدّق أنه بعد اثنتي عشرة عاماً على تحرير الجنوب اللبناني يأتي يوم يتم فيه التصريح وعلناً أن على هذه المقاومة أن تسلّم نقاط قوتها، في الوقت الذي تتغير فيه المنطقة.
في صدمة بانت عفوية و"غير واعية" خرج عدد محدود جداً من الناس للوقوف أمام مدخل المحكمة العسكرية على المتحف (وأنا منهم) للاعتراض على إطلاق زياد الحمصي (المقاوم السابق)، وهو العميل المُعترف، والذي حُكم بخمس عشرة سنة جرّاء تعامله مع الاستخبارات الإسرائيلية التي طلبت منه اكتشاف موقع جثث الصهاينة الجنود الذين سقطوا خلال عملية بطولية للمقاومة الفلسطينية في البقاع الأوسط.
هذا التحرك العفوي جاء من قبل أشخاص لا زالوا يعيشون في خيمة من "المبادئ الهشّة" التي مضى عليها زمن، تحوّل فيه المقاوم عميلاً: هكذا وبكل فجاجة.
وبالتزامن مع هذا التحرك، يقود الشيخ أحمد الأسير حملة على سلاح "حزب الله" مسميّاً إياه وللمفارقة بـ(سلاح المقاومة) وكأنه بذلك يحاول إهانة حامليه، رغم أن إطلاق هذه التسمية شرف له، واعتقد أن "حزب الله" ممتنّا له على تغيير الاسم من اجل تذكير من يحاول تشويه صورة هذا الحزب بأنه سلاح مقاوم. إلا أن الأخطر من ذلك أن الأسير يبغي من وراء إطلاق هذه التسميّة التبخيس بـ"المقاومة"، كفعل مناهض للكيان الصهيوني، والهدف من جرّاء التسمية هو أن ذلك يؤدي تشويه صورة الفعل المقاوم برمّته من خلال ربطه بمسألة تشويه صورة السيدة عائشة بنت أبي بكر زوجة الرسول. مجرد استخدام التعنيف الكلامي دفاعا عن عائشة وتبيان الافتراء في الموضوع من جهة الأسير وغيرها وفضح الإعلام لقضيته المشوهة ومتابعة تعنيفه الكلاميّ عبر الإعلام يؤدي إلى ربط المسألتين في ذهن المُتابع المتعصّب مذهبيّاً ودينيّاً، إضافة الى تعصب الشعوب العربية تجاه حزب المقاومة.
ووسط ذلك ما يلفت وهو رفض الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة لتشويهات الأسير على المقاومة وإيقافه عن استكمال خطبته داخل أحد مساجدها، علماً أن الإعلام لم يتناول هذا الموقف الطبيعي والعقلاني لهؤلاء المصليّن بشكل ظاهر.
الى أين يسير الشيخ الأسير في خطابه؟ وهل هو أداة جديدة بوجه المقاومة؟ أين تقف دار الفتوى من كل ما يحصل؟ هل هو بخطوته المتقدّمة هذه يرفع الشرعيّة السنيّة عن المقاومة؟ وهل الربيع العربي يلفظ المقاومة ليعيش؟ وهل الحرب ضد النظام السوري هو الوجه الآخر للمطالبة بسحب السلاح؟
إن النظام السوري الذي كبت شعبه سياسياً طيلة عقود ككل الأنظمة العربية من دون استثناء، يُشكل المطيّة الأولى لإخضاع المقاومة، فهل نسلّم بإخضاع النظام السوري في الوقت الذي تُحارب فيه المقاومة في لبنان والعكس صحيح؟ أي رابط بين الحربين؟ وما الذي يجمعهما معاً؟ أهما ضربتان على الرأس لشلّ الجسد فيختل وينهار؟ من هو "صانع" الأسير إذن؟ ومن هو الذكيّ الذي يجرّب اللعب بنار الفتنة المذهبية كآخر دواء ليتزامن ذلك مع سقوط النظام السوري الذي يروّج له مع نهاية العام الجاري؟
وما الذي يجعل الغيارى على الحرية يغفلون عن قدسية السلاح الذي حرّر الجنوب؟ وما هو التالي، أهو إدخال المقاومين الى السجن لمعاقبتهم كما تمّ مع عدد من المناضلين الأمميين؟ أهو العصر الإسرائيلي كما ينظر له بعض المحللين، أم انه مجرد رسائل لدفع المجتمع للإحباط؟
كيف يمكن لمسلم درس علوم دينية أن يكون بهذا الغباء السياسي؟ أهم (رجال الدين) فعلاً كما يقول الجميع مطيّة؟ كما هو حال بعض رجال الدين في الخليج الذين ينامون على حرير السلطان ويحاربون بسيفه؟
أهو فعلاً مواطن مسلم سني مظلوم في بلد المحاصصة فيه تنخره حتى العظم؟ وأتساءل، كما غيري، عن قامات عروبية وإسلامية غائبة؟ أين عقلاء الطائفة؟ أين كبارها؟ لماذا يتركون الساحة، لمن استوحى من ثورة 25 يناير فقط نصب الخيم؟ لمن استوحى من 25 يناير وصول الاسلاميين الى الحكم؟ بتنا نخاف بعد اليوم ان يعتصم الأسير لتغيير قواعد اللعبة في لبنان كجعل رئيس الجمهورية من طائفته بحجة العدد والعديد؟
الخوف اليوم من تلقف أمثال الأسير نتائج الربيع العربي بالمغلوط، حيث بات هذا الأسير أسير فكرة سطوع شمس الإسلام السلفي، رغم انه، وللمفارقة، هذا الربيع العربي أينع بعد قتل بن لادن، الذي حارب ولم يمس إسرائيل بشوكة.
من أسوأ المفارقات أن بن لادن أساء للمقاومة، وهو الذي لم يدعم المقاومة الفلسطينية بكلمة أو موقف. واليوم يحارب الأسير المقاومة اللبنانية تحت عناوين مذهبية أطلقها سلفه الذي قُتل على يد المستفيدين الأوائل من تصاعد نجمه البرّاق باسم الدين. الأول جعل حربه ضد الشيعة (الروافض)، والثاني يُكملها.
في المقابل، هل ينسى السلفيون أن ثمة سلفيّة شيعية – وان كانت أقلية داخل الطائفة وأقلية مذهبية – آخذة بالتبلور جرّاء الموقف السلبي لدى بعض علماء السنّة وبالتحديد الوهابيين من زيارة المقامات الدينية؟ إذا الطرفان يحرّمان ما يرونه مناسباً ويحلّلان ما يرونه مناسباً.
من هنا السؤال الأخير: أين عقلاء المذهبين؟ هل عاد صراع الأشاعرة والمعتزلة من جديد الى الواجهة، بعد عقود من الزمن، حيث يطلّ عصر الماضويين برأسه؟ 
 

السابق
حليب الأم
التالي
يعقوب: صناع الفتنة أدوات رخيصة لاعداء الامام والوطن