إعلان عمل لا إعلان نوايا

الحماية الاعلامية لإعلان «بعبدا» من التأويل والاجتزاء والتحليل الفئوي والأحادي والنظر الى موشجبات صدوره بأنها حالة عابرة ولأسباب طارئة فقط، فإن هذه الحماية تشكل احد العوامل الاساسية لتنفيذه، واعطائه قوة الدفع المعنوي لدى الرأي العام اللبناني وصيغة الاعلان الميثاقي للإنقاذ، في ضوء إجماع اقطاب جلسة الحوار على بنوده، بعد سنوات من تعليقه بسبب الاختلاف على الاولويات في جدول اعماله، كموضوع السلاح وخلافه، غير ان العبرة والمعيار ليسا في الاجماع على صدوره فقط، بل في توفير الظروف والضمانات لتنفيذه وهذا من مسؤولية المتحاورين انفسهم، كي لا يبقى «الإعلان» نظرياً معرضاً للسقوط إذا لم تتكامل وتتقارب المواقف بين اطراف الحوار لتطبيقه تحت سقف الدولة، وكي لا يبقى «اعلان نوايا» من دون خطوات سريعة ومقوننة لهذا التطبيق، مع الأخذ بعين الاعتبار عامل الوقت الضاغط، بأحداث وتوترات امنية وتجاذبات سياسية داخلية، وتطورات سورية واقليمية ودولية تستوجب الاسراع في تحويل الاعلان الى برنامج عمل للتنفيذ، وما يتطلب ذلك، من مناخ اعلامي وسياسي وأمني يساعد على ذلك.
ولذا جاء في البند الثامن من الاعلان دعوة جميع القوى السياسية وقادة الفكر والرأي الى الابتعاد عن حدة الخطاب السياسي والاعلامي وعن كل ما يثير الخلافات والتشنج والتحريض الطائفي والمذهبي، بما يحقق الوحدة الوطنية ويعزّز المنعة الداخلية في مواجهة الاخطار الخارجية، ولا سيما منها الخطر الذي يمثله العدو الاسرائيلي، وبما ينعكس ايجاباً على الرأي العام وعلى القطاعات الاقتصادية والسياحية والاوضاع الاجتماعية.
واعتماداً على منطوق هذا البند، فإن التخاطب في الكتابة والحوار والمقارنة والندوات والبيانات بلغة الرصانة والموضوعية، يشكل المظلة الاعلامية الواقية والمرافقة لعملية الانتقال بالاعلان من حالة النصوص الى حالة التطبيق على الارض، وهذا من مسؤولية كل طرف حواري في اسناد الدولة وجهات الاختصاص العسكري والامني والسياسي والقيادي في ما يتعلق بهذا الانتقال وبالسرعة الممكنة، كي لا يضيع اعلان «بعبدا» في متاهات التأجيل والتأخير و«الفذلكة» المتعددة التعابير وباصطناع الاعذار في هذا الشأن، وكي لا يصبح اعلان بعبدا بحاجة الى اعلان «بعبدا» ثانٍ للتفسير وتسريع اوقات تنفيذه.
كما ان من دواعي المسارعة الى هذا التنفيذ الحفاظ على الميثاقية اللبنانية والغطاء العربي والدولي من خلال جامعة الدول العربية ومجلس الامن اللذين تسلما نص «الاعلان» ويدعمان تنفيذه، كما ان من هذه الدواعي الضاغطة: تحصين لبنان وحمايته من شظايا وارتدادات الاوضاع السورية الراهنة، حيث يتمثل هذا التحصين: عسكرياً وامنياً وسياسياً واعلامياً ودبلوماسياً بالنأي عن الدخول والتدخل والانخراط في مسار التطورات السورية، وقد عبّر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عن ذلك، حيث قال: المشكلة الأم التي نواجهها اليوم هي الازمة السورية.كنا باستمرار مترددين حيال الموقف الذي ينبغي اتخاذه. حياد او لا حياد. او النأي بالنفس او الاعتراض على النأي بالنفس في طاولة الحوار قلنا بتحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية والدولية وعلى نحو علني. لم يعد لدى الحكومة اي حرج في اتخاذ موقف من الازمة السورية بعدما قررنا الحياد. ليس في سوريا فحسب، بل ايضاً في اي قضية اقليمية او دولية مماثلة.
وفي المعادلة ان النأي اللبناني عن سياسة المحاور العربية – العربية، والمحاور الاقليمية والدولية، يبقى منقوصاً ومهدداً اذا لم يكتمل بالنأي الداخلي عن التخاطب بغير مفردات البعد الميثاقي لإعلان «بعبدا». 
 

السابق
الجمهورية: سقطت هيبة الدولة!
التالي
آخر المعلومات: فدية ضخمة لشراء سلاح نوعي والإفراج عنهم على دفعتين