حرب غير ناعمة

هذه المرة، الغرب هو الذي يدفع الخلاف مع إيران حول ملفها النووي الى حافة الحرب. تلك هي الخلاصة الأهم الجولات الثلاث من المفاوضات الإيرانية مع مجموعة الـ5+1 في كل من اسطنبول وبغداد وموسكو.. والتي انتهت بالأمس الى تمديد إضافي للأزمة المفتوحة منذ تسع سنوات، والتي شارفت على لحظاتها الحاسمة.
في الماضي، كانت ايران هي التي تستفيد من حاجة الغرب الى خدماتها الأفغانية والعراقية، والخليجية عموماً، وتفرض شروطها النووية والسياسية مستندة الى تعثر المشروع الغربي، وتزعم ان نفوذها بات يمتد على طول الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط من اللاذقية الى بيروت الى غزة وصولاً الى حدود مصر.. وتطالب بان يجري التعامل معها باعتبارها قوة إقليمية عظمى لا يمكن تجاهل مصالحها، ولا يمكن إنكار حقها في ان تطور برنامجاً نووياً مدنياً متقدماً، يخفف العبء عن مصادرها النفطية والغازية التي لا تكفي لسد حاجات اقتصادها المتنامي.
على اساس هذه الفرصة وذاك التحدي قررت ايران المضي قدماً في عمليات تخصيب اليورانيوم، الى نسبة عشرين بالمئة المحرمة، او بالأحرى المثيرة للشكوك الغربية، المبنية على اعتبارات اسرائيلية اكثر مما هي مبنية على معطيات علمية، في برنامجها النووي، وهو ما أدى الى تشديد العقوبات الدولية الى حدود لم يسبق لها مثيل في عهد الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، والى التلويح بالحرب كخيار يمكن ان تبادر اليه اسرائيل من اجل ان تورط الأميركيين والغرب عموماً.
لكن هذا الخيار كان وسيبقى مجرد ورقة ضغط غير مؤثرة على المفاوضات، لاقتناع طهران بأن اميركا لا تريده وإسرائيل لا تستطيعه.. وهما تعتبران ان الحرب الالكترونية المشتعلة حالياً ضد ايران هي البديل المناسب والاختبار الافضل.. اما العقوبات فإنها اشد خطورة من اي وقت مضى، لا سيما أنها تشمل للمرة الاولى منذ بدء الأزمة قطاعي الطاقة والمال والإيرانيين، وهو ما يدفع ايران حالياً الى تعديل خطابها التقليدي وتقديم عروض متتالية بوقف التخصيب حتى نسبة عشرين بالمئة، ومبادلة اليورانيوم المخصب لديها، مقابل الحصول على ما تحتاجه لمفاعلاتها العلمية والطبية.
رفض الغرب في جولات اسطنبول وبغداد وموسكو هذه العروض الإيرانية، واختار ان يختبر قدرته على شل قطاعي النفط والمال الإيرانيين، اعتباراً من مطلع شهر تموز المقبل موعد سريان الدفعة الجديدة من العقوبات، وعلى اختراق البرنامج النووي الإيراني بالمزيد من الغارات الالكترونية، او بكلمة أخرى أن يدفع الحرب الباردة مع إيران الى الذروة.. التي تفرض استسلاماً إيرانياً شبيهاً بذاك الذي أنهى الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي.
الحرب لم تعد ناعمة، حسب التوصيف الذي اعتمدته القيادة الإيرانية حتى الآن. 
 

السابق
هوس الحرائق
التالي
دو فريج: المرحلة المقبلة صعبة جدا على لبنان