توافق الكبار

يحدث الخلاف بين من يملكون قرار الحرب والسلم عندما تتعارض مصالحهم أو تتأثر بمتغيرات في هذه المنطقة من العالم أو تلك لا سيما الشرق الأوسط الذي يواجه منذ احتلال فلسطين اهتزازات مبعثها مدى ما تسعى إليه هذه الدولة أو تلك من الإبقاء على نفوذها من دون التفات إلى ما يصيب الشعوب من خسائر بشرية ومادية وانكماش اقتصادي، وهذا ما أثبتته قمّة العشرين في المكسيك خصوصاً محادثات أوباما وبوتين على مدى ساعتين.
لذا فان ما يتوصل إليه أولئك النافذون من اتفاقات في القمم والمؤتمرات لا يبعث على الطمأنينة وهم يعتمدون القول الشائع لا خلافات دائمة بل مصالح ثابتة، وهذا ما يعزز الاعتقاد بأن على كل دولة ان تضع حاضرها ومستقبلها بنفسها مع امتلاك قوة عسكرية بصورة خاصة تمنع العدوان عليها، وتجعلها حصينة ومنيعة حتى ضد التدخل في شؤونها، وكثير من الدول والشعوب ما زالت تعتمد على صداقة أو حماية الكبار الثابتين على ما يعزز هيمنتهم، وعندما يرون ما يؤثر سلباً عليهم سرعان ما يبدلون ولاءهم ودعمهم، فمن كان صديقاً لهم اليوم يصبح هدفاً عندما يرون ان غايتهم تعترضها عقبات أبرزها نشدان الحرية والاستقلال والسيادة على الأرض والتعامل مع الآخرين في إطار الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

والدليل الأبرز على أن توافق الكبار هو لمصلحتهم ما تعرّضت له دول وشعوب من غزو واعتداءات، وأكثر ما يثبت هذه القاعدة هو عدم ممارسة أي ضغط على إسرائيل لفرض اعترافها بما يحقق السلام بإعادة الأراضي المحتلة إلى أصحابها. ومن هنا عدم الصدقية في احترام حقوق الإنسان ومنع احتلال أرض الغير بالقوة ووجوب تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإدانة من يرتكب المجازر بحق الشعب الفلسطيني من دون أن نرى قمّة او مؤتمراً يقرر الوقوف إلى جانب من يسعون الى انتزاع حقوقهم المغتصبة.

ثم إن أولئك الكبار عندما يصلون إلى حد الصدام في ما بينهم يلجأون إلى التفاهم والتسوية كما في أثناء الحرب الباردة، لذا فلا اعتماد على توافق بينهم على ثوابت العدل وسلام من هو خارج دائرتهم الا بمقدار ما يوفّر لهم التدخل إبقاء نفوذهم وسيطرتهم سياسياً واقتصادياً على هذه المنطقة أو تلك، وهم يتريثون الآن في اتخاذ موقف نهائي من الثورات العربية بانتظار ما ستكون عليه السياسة المعتمدة من أبنائها، ولا يهم من حكم أو من أطيح به حتى من الأنصار والأتباع، ويترسخ هذا المفهوم من التناقض أو التفاهم بين واشنطن وموسكو واستطراداً الصين، الأمر الذي يوجب منع الساحة العربية من أن تكون مسرحاً لصراع الكبار عليها.  

السابق
في انتظار الانقلاب
التالي
جسد سيرين يختلف بالحقيقة !!