تحذير إلكتروني- ديمقراطي إلى الأخوة الإسلاميين

لا الإخوان المسلمون، ولا الإخوان اليساريون، ولا الأخوان الليبراليون، كانوا حقاً وراء موجة الربيع، بل مجموعة شبّان عبأهم ما بات يُعرف في أدبيات علم السياسة الحديث بـ "الإعلام الاجتماعي" (Social media. (
سنأتي إلى ظاهرة هذا الإعلام الاجتماعي، ومعه المفهوم الجديد لـ" السكان المترابطين عبر الشبكة" (network population ) لاحقا. لكن قبل ذلك، وقفة أمام ما بدأت تجارب ثورات الربيع والأردن تُفرزه رويداً رويداً لأول مرة في التاريخ العربي: الديموقراطية المباشرة.
كما هو معروف، الديموقراطية المباشرة، أو ما يُسمى أحياناً بـ"الديموقراطية النقيّة"، هي شكل من الديموقراطية حيث السيادة مناطة ليس بنواب أو نخبة محدودة، بل بجمعية تضم كل الشعب أو السكان الذين يختارون الانخراط في العمل السياسي. هذه الجمعية لها صلاحية إقرار القوانين، والبرامج التنفيذية، وانتخاب او طرد النواب وكبار الموظفين، وإجراء المحاكمات.
أول ديموقراطية مباشرة في التاريخ نشأت في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، مع أنها لم تكّ ديموقراطية حقيقية لأنها كانت تستثني النسوة والعبيد. أما في العصور الحديثة، فقد بدأ هذا النوع من الديموقراطية في قرى وبلدات سويسرا في القرن الثالث عشر. وفي العام 1847 أضاف السويسريون "تشريع الاستفتاء" ثم في العام 1891 "مبادرة التعديل الدستوري" على دستورهم الوطني، وكلاهما يسمح للمواطنين السويسريين عبر الاستفتاء والمبادرات، بتعديل القوانين أو رفض برامج الوزارات.
النظام الفيدرالي في الولايات المتحدة يستند إلى الديموقراطية التمثيلية (البرلمانية)، لكن نصف الولايات الأمريكية تُطبّق الديموقراطية المباشرة في أنظمتها الداخلية في مجالي الاستفتاء والمبادرات.
بعد صعود الأنترنت إلى ساحة الفعل الاجتماعي والدولي في التسعينيات، برز مفهوم "الديموقراطية المباشرة الألكترونية"، التي تستخدم أنظمة الاتصال عن بُعد لتسهيل مشاركة الشعب في القرار. لكن حتى الآن، لاتزال ممارسة هذه الديموقراطية الإثيرية محدودة في العالم، وهي تكاد تقتصر على حكومتي السويد وسويسرا.
لكن هذا النوع من الديموقراطية المباشرة الالكترونية، هي بالتحديد مايمارسه الآن الشبان العرب في كل البلدان العربية، ليس من أجل المشاركة في السلطة بل من أجل تغييرها أو تطويرها.
وقد أسفرت تجاربهم حتى الآن عن نجاحات باهرة لهذه الديموقراطية، خاصة في مجال بلورة المطالب المشتركة لمجموعات متباينة من السكان، وفي دفعها إلى النزول مباشرة إلى الشارع لوضع هذه المطالب موضع التنفيذ. هذا في حين أن الاحزاب التقليدية، بما في ذلك المنظمات الإسلامية الكبيرة، كانت تصاب بتصلّب الشرايين وتعجز عن تعبئة وتحريك الجمهور.
وعلى سبيل المثال، كتبت "فاينانشال تايمز" عن تظاهرات مصر:" قوة المتظاهرين تكمن في أنهم غير مرتبطين بأي حركة سياسية أو إديولوجية، بل هم يتحلّقون حول جملة أهداف محددة تتم مناقشتها والاتفاق عليها عبر الانترنت".
لماذا الحديث عن الديمقراطية المباشرة الآن؟
لسبب واحد: تحذير الحركات الإسلامية الرئيسة، على وجه التحديد، التي حققت مؤخراً نجاحات باهرة في تونس ومصر المغرب، وقريباً في ليبيا واليمن وربما الجزائر وغيرها، من ارتكاب خطيئة سوء قراءة أبعاد الربيع العربي. فهذا الفصل هو في الواقع للشبان العرب الذين يناهز عددهم الآن المئة مليون نسمة، ومعهم عشرات ملايين أخرى من الطبقتين الوسطى والفقيرة. ومالم يحصل هؤلاء على مكان تحت شمس الربيع، فسيقلبون سريعاً الطاولة على رؤوس كل هذه الحركات ويحوّلون الربيع إلى خريف.
كيف؟
عبر سلاح الديمقراطية المباشرة الالكترونية.

السابق
رعد: المشكلة ليست في سلاح المقاومة بل في غياب الدولة ومؤسساتها العادلة
التالي
بان كي مون: بات واضحا أن الاسد ونظامه فقدا الشرعية