تأديب الشمال وتهشيمه

هو الشمال، وعكار شماله وركن الحرمان والاهمال فيه، وهناك سيف الفقر والاهمال مسلط بل جارح وشديد على جسد تلك المناطق الحدودية مع سورية. ولأنها كذلك تتحمل القيادة السورية، التي استوطنت تلك المناطق زمنا طويلا وضمّتها اليها لاكثر من ثلاثة عقود، مسؤولية ابقائها على هذا المستوى من
الاهمال والعوز والفقر. ولم ينج احد من ابناء هذه المناطق من عسف السلطة الامنية السورية. والحكايات تبدأ ولا تنتهي في طرابلس والشمال عن حجم الانتهاكات التي ارتكبت ضد الأهالي وضدّ كلّ من لم يصفّق ويسبّح بحمد النظام السوري وقيادته الامنية والسياسية.
جرح الشمال وعكار وطرابلس جرح عميق ولم تندمل آثاره بعد. آلاف قتلوا وعشرات الآلاف مروا في معتقلات المخابرات، واضعاف هذا العدد هجروا الى خارج لبنان بسبب استبداد السلطة الامنية السورية التي يجمع ابناء هذه المناطق على أنها تعسفت وظلمت، وان احال القلة منهم هذا الظلم الى اجهزة
الامن وليس الى السلطة السياسية.
ابناء عكار وطرابلس والشمال عموما ذاقوا مرارة الظلم والاهانة من الامن السوري لعقود، ولاذوا بالدولة والجيش، ويعرفون معنى الظلم وكيف تحولت الشعارات القومية لدى النظام السوري الى معادلة امنية في الشارع تريد من الناس ان يظهروا خوفهم الدائم و ولاءهم الكامل تحت أقدام النظام الامني الاستخباري. نظام خبره ابناء الشمال، لذا، وأثناء ما يتضامنون مع الثورة السورية، يعرفون معنى ان تتضامن مع الشعب السوري في ما يعانيه، بل معنى ان تتضامن مع ابناء عكار ضد سلطة ظلت تلوح بأنها هي صاحبة القرار والنفوذ في قلب عكار والشمال. وهم لذلك يتمسكون بالجيش اللبناني ويشكلون ثقله العددي وقاعدة يرتكز اليها.

هذا الظلم يقابله شبه تخل كامل من قبل الدولة عن هذه المناطق، فهي باتت من دون تردد اكثر المناطق فقرا وحرمانا في لبنان، واكثر من ذلك هي عرضة لعملية تشويه سياسي واجتماعي، تحت عنوان "السلفية". حتى صارت السلفية مرادفا للارهاب في القاموس اللبناني المريب. لابل محاولة اختصار الشمال في ظاهرة قائمة وموجودة منذ زمن بعيد امر ليس بريئا، علما انّ تلك التهمة كانت قائمة في زمن الوصاية السورية، وكان بعض أمرائها قريب من سلطة الوصاية وآخرون بعيدون تماما عن الشأن السياسي. وهي ظاهرة لا تتعدى
المئات المتحلقين حول بعض رجال الدين المعروفين.

هكذا تعاملت السلطة مع عكار وطرابلس وقبلها الضنية: كملف امني فقط، وملف للاستعراض اتجاه الاميركيين والاوروبيين، فيما نظر اليها تيار المستقبل على أنّها خزان بشري يستعرض عبره قوته في ساحة الشهداء وغيرها من الساحات، من دون ان يقابل ذلك تحقيق اي انجاز تنموي ينتظره ابناء تلك المناطق في ملفات بات تكرارها مملا كالمطار ومصافي النفط في البداوي ومعرض طرابلس الدولي …ولا الرئيس نجيب ميقاتي استطاع ان يستثمر تقصير اسلافه بغير النأي بالنفس حتى عن منطقته.
ما حصل في عكار امس، وقبله في طرابلس، يأتي في سياق هجوم سياسي سوري بتواطؤ داخلي على لبنان وفي ظل مناخات من التوتر والقلق عبر عنها المندوب السوري في مجلس الامن حين اعتبر ان الشمال او بعض مناطقه صارت ملاذا ومنطلقا لتنظيم القاعدة والارهاب. ويترافق هذا مع سياسة حكومية تسعى
لابقاء ملف الارهاب عنوانا للاستثمار السياسي المحلي والخارجي، اذ كيف يمكن تقبل ابقاء ملف نحو 300 اسلامي في السجن منذ 4سنوات واكثر من دون محاكمة؟ اليس هذا السلوك السياسي والقضائي غير القانوني والظالم موقف واضح يعلن تخلي الحكومة والدولة عموما عن مسؤولياتها اتجاه مواطنيها
واتجاه منطقة بعينها؟ اليس قرار عدم المحاكمة هو دعوة إلى الفتنة في ظل تساهل غير مبرر للسلطة السياسية في ملفات اهم او لا تقل اهمية؟ في حادثة عكار، اضافة الى ما سبق من احداث ومواقف خلال الاسبوع المنصرم، ما يشير الى ان هناك من يريد في داخل السلطة وخارجها تفجير منطقة الشمال امنيا
وعسكريا، واعطاء صورة مضخمة عن واقع السلفيين في هذه المنطقة، وتنسيبها الى القاعدة والارهاب. والهدف اشغال ابناء هذه المنطقة بصراعات فيما بينهم، منذ اسبوع محاولات متكررة لنصب فخ يستدرج المواجهة مع الجيش من طريقة اعتقال شادي مولوي المفتعلة ومقتل الشيخ عبد الاحد ومرافقه ثمة من
يصر على تأديب الشمال وتهشيمه ثمة من يكرر نصب الفخ للشمال والجيش… فهل نجح؟

 

السابق
حميد: الحوار فرصة حقيقية لتجاوز المآزق بعيدا عن أي رهانات
التالي
الأنوار: مصرع الشيخ عبد الواحد يشعل حرائق الاستنكار واشتباك ليلا في بيروت