انتخابات على جثث السوريين!

لا يمكن اجراء انتخابات على جثث ما يزيد على عشرين ألف سوري، في أقلّ تقدير، سحقتهم آلة القمع التي يمتلكها النظام منذ اندلاع الثورة قبل اربعة عشر شهرا تقريبا. لو كانت الانتخابات على الطريقة البعثية تقدّم او تؤخّر، لما كانت الثورة مستمرة ولكان اهل سورية اقتنعوا بان ثمة مجالا لإصلاح النظام الذي هو في حقيقة الأمر غير قابل للإصلاح بأيّ شكل.
متى يقتنع النظام السوري بأنّه انتهى وان الانتخابات ليست سوى محاولة أخرى للهروب إلى امام في وقت لم تعد هناك اي جدوى من مثل هذا الهروب؟
باستثناء رهان النظام على انه سيكون قادرا على حكم جزء من سورية وان مستقبله مرتبط بهذا الجزء، ليس ما يشير إلى ان هناك ما يمكن ان يفسّر اللجوء المستمر إلى العنف. فالعنف لا يمكن ان يوفّر مخرجا من الازمة العميقة التي يعاني منها هذا البلد العربي المهمّ، اللهم الا اذا كان هناك بين اركان النظام من يظن انّ الحرب الاهلية هدف في حد ذاته وان مثل هذه الحرب ستؤدي إلى تهجير قسم من السوريين من مناطق معيّنة، في مقدمها حمص.
مثل هذا التفكير العقيم يفتح المجال واسعا امام تفتيت سورية وامام سلسلة من الحروب الاهلية معروف كيف تبدأ وليس معروفا كيف تنتهي… او حتى متى يمكن ان تنتهي.

لعلّ أخطر ما تشهده سورية حاليا يتمثّل في الاعتقاد بأنّ عملية الهروب إلى امام يمكن ان تستمرّ إلى ما لا نهاية. كلّ ما فعله النظام السوري الحالي، وحتى الانظمة التي سبقته، هو ممارسة عملية هروب إلى امام خشية مواجهة الاستحقاقات الداخلية التي تفرضها ازمة الكيان السوري. كان الانقلاب العسكري الاوّل الذي قاده حسني الزعيم تعبيرا عن الهروب إلى امام. تلاه انقلاب الشيشكلي الذي لم يدم حكمه طويلا. جاء بعد ذلك دستور العام 1950 الذي كان يمكن ان يساعد في حلّ ازمة الكيان السوري عن طريق الديموقراطية.
بدل اعتماد الديموقراطية، اختارت الاحزاب «القومية» وبينها البعث الذهاب إلى وحدة غير طبيعية مع مصر جمال عبدالناصر. لم تكن تلك الوحدة سوى محاولة اخرى للهرب من الواقع. ما هو اخطر من الوحدة التي انهارت في العام 1961، انطلاقا من حلب وليس من اي مكان آخر، انها كرّست سيطرة الاجهزة الامنية على السلطة. بعد الوحدة، صار المسؤول عن الأمن، وكان اسمه عبدالحميد السرّاج، الحاكم الفعلي لسورية. رحل السرّاج بكلّ ما مثّله من تخلّف وبقي الحكم في يد الأمن.
لم يستطع الحكم الذي نشأ عن الانفصال ايجاد اي حلّ للمعضلة السورية المتمثلة في ازمتي النظام والكيان، فكان اللجوء مجددا إلى البعث الذي نفّذ انقلاب الثامن من آذار- مارس 1963 بغطاء مدني. قاد العسكر الانقلاب وما لبثوا ان تخلصوا من المدنيين، لينتهي النظام ابتداء من العام 1970 نظام الرجل الواحد ثم الطائفة الواحدة ثم العائلة الواحدة.
تغيّرت طبيعة النظام السوري. ما لم يتغيّر هو الحاجة الدائمة إلى الهروب إلى امام. ذهب لبنان ضحية عملية الهروب هذه التي استهدفت تدميره حجرا حجرا. لم تتوقف يوما عملية تدمير لبنان طائفة طائفة ومنطقة منطقة ومدينة مدينة وقرية قرية وشخصية مهمة خلف شخصية اخرى مهمّة. ومتى وجد النظام السوري ان عليه الانسحاب من لبنان نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005، سعى إلى ايجاد بديل يتولّى ملء الفراغ الامني الناجم عن خروج قواته العسكرية من الوطن الصغير الصامد. كان هذا البديل ميليشيا مسلحة تابعة لإيران اسمها «حزب الله» بادواتها المختلفة بينها ميشال عون.

تسعى هذه الميليشيا حاليا إلى اقناع اللبنانيين بقوة السلاح ان شيئا لم يتغيّر في لبنان وان بيروت لا تزال تحت الوصاية وان الفارق الوحيد بين ما كانت عليه قبل العام 2005 وما هي عليه الان انها صارت تحت وصاية مشتركة ايرانية – سورية. افرزت هذه الوصاية «غزوة بيروت» بهدف اذلال اهلها في السابع من ايّار- مايو 2008. ولمّا تبيّن ان اهل بيروت خصوصا واللبنانيين عموما يرفضون الوصاية المشتركة، تماما مثلما رفضوا الوصاية السورية، فرضت عليهم بقوة السلاح الحكومة الحالية التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي. هذه الحكومة التي لا هدف لها سوى اذلال المسيحيين واهل السنّة والدروز، بين حين وآخر، ليست سوى تعبير مختلف عن الازمة السورية المزدوجة، اي ازمة النظام والكيان في الوقت ذاته.

بغض النظر عن اللهجة المعتدلة حيال «حزب الله» التي استخدمها الرئيس سعد الحريري في الخطاب الذي القاه قبل ايام في بيروت عبر شاشة كبيرة، يظلّ ان اهمّ ما في هذا الخطاب تصويبه على النظام السوري. لا مستقبل لسورية ولبنان ما دام هذا النظام يقتل. انه نظام يجري انتخابات نيابية من اجل تغطية مزيد من الجرائم ترتكب في حق السوريين. انه نظام يعتقد ان في امكانه الاستفادة من حرب طائفية ومذهبية في سورية لعلّها تساعده في ايجاد مخرج يسمح له بمتابعة عملية الهروب إلى امام.
من هنا، ليس لدى اللبنانيين من خيار سوى التصويب، بالكلام الحقيقي الدقيق والصريح وليس بايّ شيء آخر طبعا، إلى الهدف العالي، اي إلى النظام السوري. لقد قاوموا هذا النظام منذ ما يزيد على اربعين عاما. تلك هي المقاومة الحقيقية التي عليهم الاستمرار فيها من دون ان ينسوا في اي وقت من الاوقات من وراء قتل زعمائهم من كمال جنبلاط وصولا إلى رفيق الحريري مرورا بالشيخ حسن خالد والشيخ صبحي الصالح والرئيسين بشير الجميّل ورينيه معوض. ان هذه السلسلة من العرب الشرفاء المؤمنين بلبنان الحر والتي تشمل ايضا سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار امين الجميّل وانطوان غانم ووسام عيد وآخرين، من بينهم الشهداء الاحياء مروان حمادة والياس المر ومي شدياق، خير دليل على انّ المطلوب تدمير لبنان.
لم تكن «غزوة بيروت» التي شنها «حزب الله» على اهل العاصمة والجبل في ايّار – مايو من العام 2008 سوى فصل آخر من عملية الهروب السورية إلى امام ولكن بمساعدة ايرانية هذه المرّة. هذا ما يفترض ان يكون واضحا لدى اللبنانيين الذين باتوا يدركون أن لا خلاص لهم ولوطنهم ولسورية والسوريين من دون التخلص من نظام مستعد لاجراء انتخابات على جثث أبناء شعبه وأشلائهم… كي يتمكّن من متابعة الهروب إلى امام!

السابق
رفعوها على شجرة..عقاباً له
التالي
حرمان أبناء القرى الحدودية من العلم والخبر ورخص البناء ؟!