لعبة المراقبين الدوليين

مع اعتذار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عدم حضور قمة الثماني في واشنطن بحجة انشغاله في تشكيل الحكومة الروسية الجديدة، لا يبدو أن القضايا العالقة بين واشنطن وموسكو تأخذ صفة الاستعجال، وبالطبع الأزمة السورية من ضمنها.

ويؤشر اتصال بوتين بنظيره الأميركي باراك أوباما، ليبلغه أن رئيس الحكومة ديميتري مدفيديف هو الذي سيحضر القمة، الى أن التفاهم بين الزعيمين على عدد من الملفات يحتاج الى تمهيدات تأخذ وقتاً. مدفيديف يستكشف الأجواء مع أوباما مرة أخرى، ثم يعود بوتين فيلتقي أوباما بعد شهر في قمة العشرين لبحث الوضع الاقتصادي العالمي.

وفي الانتظار، يستمر المجتمع الدولي في خوض لعبة المراقبين الدوليين في سورية التي يحتاج التوافق على سبل معالجة أزمتها بين الدول الكبرى، الى صفقة ما تتعدى سورية الى قضايا دولية أخرى معقدة، تبدأ بالوضع الاقتصادي العالمي، مروراً بالدرع الصاروخية التي يقيمها حلف «الناتو» في أوروبا والتي ترفضها موسكو، ولا تنتهي بانفتاح واشنطن على حركات إسلامية في عدد من دول القوقاز وآسيا الوسطى ودول الربيع العربي. هذا إضافة الى المفاوضات على الملف النووي الإيراني الذي ترفض موسكو العقوبات الأميركية – الأوروبية المتشددة بسببه على طهران في ظل استمرار التفاوض بين دول 5+1 مع إيران في شأنه، وانزعاج الزعيم الروسي من دعم مؤسسات أميركية التظاهرات المعارضة له والتي أخذت منحى تصاعدياً في الأيام الماضية.

أي ان الطريق طويل أمام المجتمع الدولي إذا كان يؤمل منه التوافق على خطة حاسمة لمعالجة الأزمة السورية يمكن أن يؤسس لها التفاهم الروسي – الأميركي. فالصفقة التي يتطلع إليها مراقبون للوضع الدولي الراهن تتطلب حسم عدد من القضايا المعقدة قبل الوصول الى حسم الموقف في سورية.

وإذا كانت لعبة المراقبين الدوليين هي الخيار الوحيد للحد الأدنى من التوافق الدولي، فإنها لعبة تكرر، وإن بأساليب مختلفة، ما سبق أن اختبره المراقبون العرب قبل 3 أشهر، على رغم اختلاف خبرة المراقبة الدولية وإمكاناتها وطول نفسها قياساً الى جهاز المراقبة العربي.

وهي لعبة لا تقود الى وقف العنف وإراقة الدماء في ظل استحالة اتخاذ أي قرار دولي بتدخل خارجي يحظى بتغطية مجلس الأمن، نظراً الى أن كل عوامل الفيتو الروسي والصيني باقية على الطاولة، فضلاً عن استحالة أي تدخل غربي أميركي – أوروبي عبر حلف شمال الأطلسي. ففضلاً عن أخطاره الإقليمية، تبدو واشنطن مكبلة بالكامل لأنها دخلت حقبة انتخابية للرئاسة فيها، تحول دون أي مغامرة عسكرية في الخارج وفق ما يؤكد كبار المسؤولين الأميركيين أمام جميع من يلتقون بهم من قادة المنطقة.

وإذا كان بوتين برر لأوباما عدم حضوره قمة الثماني، بحاجته الى الوقت لتشكيل الحكومة، فإن الرسالة الحقيقية التي أراد تكرار تأكيدها للجانب الأميركي هي ما قاله عشية اتصاله بنظيره الأميركي حين قال أول من أمس، أثناء الاحتفال في ساحة الكرملين بيوم النصر على النازية، إن روسيا «تملك كل الحق في حماية مواقعها والدفاع عن مصالحها ومواقفها».

مع هذا الواقع، يصبح حديث السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سوزان رايس عن سعي بلادها الى قيام تحالف دولي حول الوضع في سورية، بعيد المنال. ومع أن البعض يعتبره سراباً، وأن إمكان الوصول إليه وارد في نهاية المطاف، فإن تجنب الحديث عن العقبات التي تعترضه هو تغطية لتعذر إنجازه في القريب العاجل.

ولذلك، تشكل لعبة المراقبين الدوليين غطاء لحاجة الدول الكبرى الى مزيد من الوقت لإيجاد صيغة تخرج الأزمة السورية من النفق. إنها لعبة تمدد فرص الصفقة الدولية، لكنها تمدد معها معاناة السوريين وتقود الى تعميق الانقسام في صفوفهم، وتصعّب رأب الصدع بينهم وتعزز فرص الحرب الأهلية. ولربما كان هذا في مصلحة هذه الدول الكبرى وأميركا، لاعتقادها أنها بهذه الطريقة تتعب سورية كقوة محتملة قد يكون نظامها الجديد بعد سقوط النظام الحالي، أكثر تشدداً إزاء إسرائيل، وأنها بإتعاب سورية الحالية تزيد من إشغال إيران واستنزاف الورقة السورية التي تقبض عليها بقوة.

تدرك موسكو أن واشنطن غير مستعجلة وتلعب لعبة المراقبين الدوليين مع إمكان تمديد مهلة الـ3 أشهر التي أعطيت لهم (يبقى منها 7 أسابيع)، مدة مشابهة مع زيادة عددهم الى أكثر من 300 من دون تحفظ عن رقم هذه الزيادة الى أن ينضج التوافق الدولي.

في هذا الوقت تبقى الدول العربية في موقع أشبه بالمتفرج وتكتفي الجامعة العربية بمحاولة جديدة محفوفة بالصعوبات لتوحيد المعارضة في 16 الجاري…

السابق
حملة لإنقاذ سمك الحاصباني
التالي
الحريري يسقط النظام