فصول قتل الطفولة.. يستمر في بنت جبيل

إكتفيت في مقالي الأول بالحديث عن نورا بشكل خاص، وهي التي فقدت حياتها جراء ضربات قاسية من الإهمال والإجرام. وفي الحقيقة لست مكترثاً كثيراً لزوجة الأب وقساوتها.. فدائما في حياتنا هناك حالات شاذة في المجتمع ومن السهل في هذا الزمن أن نرى مثل هذه الحالات بين الحين والآخر، لكن الأخطر من هذا هم أولئك المسؤولين أو أولئك الذين من المفروض أن يكونوا مسؤولين، لكن قبل أن أنتقل اليهم، سأتيح لكم المجال لتخيّل اجواء عائلة نورا.

قد يكون تصور حادث وفاة نورا بالأمر الصعب علينا جميعاً، لكن ماذا لو سردنا خمس دقائق من حياة الأخت الأكبر لنورا. تقطن هذه العائلة المؤلفة من 8 أشخاص من اصل سوري (أب، زوجة أب وطفلتها، خمس طفلات من زوجة أخرى) في بيت مؤلف من غرفة واحدة كبيرة مقسومة الى إثنتين بالإضافة الى مطبخ كبير وحمام بحالة جيدة جدا في بلدة كونين قضاء بنت جبيل ا.

البنت الكبرى يبلغ عمرها 8 سنوات، لكن من يرى طريقة تعامل زوجة الأب معها يقول أن عمرها لا يقل عن 20 عاما.. فواجب عليها بعد ان تأتي من المدرسة أن تنظف البيت قبل حتى ان تبدل ملابسها أو حتى تأكل ما يسند حيلها، وما المكافأة ؟ ضرب متفرق على الجسد النحيل يسقط عليه ليشوه معالم الطفولة ويرسم خطوطا وأشكالاً لا توحي الا بفقدان الرحمة من قلب الضارب، غدا حين تكبر هذه الطفلة سيلومها المجتمع أجمع إن كان في تصرفها نوع من العنف أو الخوف والعقد النفسية وسيظلمها الأقربون قبل الأبعدون، لكن هؤلاء لن يفكروا يوماً أن إهمالهم لها سيوصلها الى هذا الطريق، غداً سيكتب التاريخ على جباه المسؤولين النائمين أن ذنب فقدان الطفولة عندها يقع على عاتقهم .. لكن من سيفتح هذا الكتاب غير مؤرخ أو قارىء؟ وإن فتحه ناقداَ لكان خيراً ! … إنما أبداً لن تقرأه يوما أعين مسؤول …. وأبداً لن يحمل السوط في يده ليطال به كل مقصر بحق الطفولة، لأننا أعتدنا ان نخطىء دون محاسبة ومسائلة.

هذه الصور تثبت للعالم أن التقصير وعدم المتابعة يفتح الطريق أمام كل المجرم في الغوص أكثر في إجرامه ويخلق نوعاً من التساهل.. لا بل أنواع وأنواع من التساهل لدى كل نفس دنيئة ضعيفة قابعة في درج الإجرام.
والسؤال … ما الفائدة من مكاتب ومراكز يُصرف عليها الكثير الكثير ولا تقوم بأدنى واجب عليها؟ أليس الأجدى صرف هذه المبالغ على ورش عمل لتوعية الصغار والكبار بدل صرفها على مراكز لا قيمة لها الا بأنها تابعة للدولة ؟! وعلى موظفين أكثر ما يجب أن يطلق على مسمياتهم الوظيفية هي "مهملين" "مقصرين" " متقاعـصين" "متخاذلين".

ثم أين واجب المدرسة وإدارتها بمتابعة طلابها؟ تجعلني حشريتي أن أسأل ألم تتأثر معلمة واحدة بمظهر طفلة من الطفلات الخمس وهم معنفات بهذا الشكل الواضح؟! لابد لنا كمجتمع أن نسلط الضوء على هذه الأمور حتى نتعلم منها وحتى نفتح العين أكثر ونضيق الطريق على كل من تسوّل له نفسه ان يتعرض للطفولة.
هذا فقط جانب من مآسي عانينّ منها خمس طفلات تعرضن للكثير من الإضطهاد والعنف الأسري، ومن يدري فهذه القضية إكتشفناها وباقي مئات من القصص التي تبحث من مكتشف لها، على أمل المحاسبة، واعادة الحياة لقلوب ماتت في عصرنا الحالي.

http://www.janoubia.com/modules.php?name=News&file=article&sid=31204 


السابق
حوري: الحديث عن أن الحريري لا يمثل السنة كلام مسيلمي
التالي
الراعي: يد الكنيسة ممدودة للجميع