(وعد) صادق يقصي الدولة

لو لم يبادر حزب الله الى اطلاق مشروع "وعد" لاعمار الضاحية الجنوبية اثر حرب تموز 2006، لكانت الضاحية اليوم في صورة يصعب تقدير الاوضاع المأساوية او العمرانية التي تعيشها. وهي كانت ستنتج عن انكفاء او عجز الدولة عن القيام بمثل هذا المشروع الاعماري الضخم، بكل ما ينطوي عليه من تشابك ملكيات خاصة ونزاعات بين العام والخاص، وما الى ذلك من ظروف مأساوية. وكان سيصعب تخيل ان جهة رسمية او شركات خاصة ستنجح بمفردها على ادارة هذا المشروع وتنفيذه في المعطى المتوفر حينه على مستوى الدولة ومؤسساتها فضلا عن السياسي.

الانصاف يقتضي القول ان "حزب الله"، في هذا الانجاز الذي يحتفي باتمامه بعد غد الجمعة، قد عبر عن مصداقية في التنفيذ، لهذا العدد الكبير من المباني، ومصداقية في احترام حقوق الناس وفي مستوى مشهود له بالامانة والحرص من قبل "وعد" التي تفاعلت ايجابيا مع مطالب المتضررين وحقوقهم. انه انجاز يسجل للحزب، لا بل يمكن القول من دون تردد، ان سوء التعامل مع اصحاب الحقوق كان يأتي من قبل الدولة ومؤسساتها، من تأخير دفع التعويضات والوقوف لساعات ولايام متتالية على ابواب "الصناديق" على اختلافها من اجل الحصول على التعويض المالي الحكومي. فضلا عن المماطلة والتأخير في تلبية هذه الحقوق وتسييسها، إلى جانب الفساد والاهتراء الذي تعانيه الادارة العامة ومؤسساتها.

انجاز هذا المشروع الضخم، والنجاح في تأمين شروط عودة الناس الى ممتلكاتها خلال اكثر من خمس سنوات، لا يقلل من شأن التوظيف السياسي لمشروع يستحق كل من ساهم به التنويه والاشادة. والتوظيف السياسي المقصود هو كيفية تثمير هذا المشروع سياسيا، اي في اي سياق سياسيي واجتماعي يفضي الى الدولة ومآلاتها الثقافية والقيمية؟

لاشك انه لم يبذل جهد يمكن ان ينوه به لجهة السعي إلى خلق شراكة بين الدولة ومشروع الحزب الاعماري عبر "وعد". وهو جهد كان مطلوبا من حزب الله والحكومة، يعطى فيه الحزب صلاحية تنفيذية مع الابقاء على مظلة الدولة كونها المرجعية التي تظلل الجميع. والهدف أن يسعى الجميع الى إعادة الاعتبار لها كحام لملكية المواطن وأمنه وحريته. علما ان الدولة اللبنانية، ومن خلال المساعدات العربية، كانت طرفا اساسيا في تمويل عملية الاعمار بالضاحية الجنوبية في معزل عن النسب المئوية التي شارك فيها الحزب او الدولة.
هذه التجربة كان يمكن ان تخاض، لكن الدولة كانت مستقيلة من مسؤولياتها على هذا الصعيد بحكم ضعفها، وحزب الله لم يكن بريئا من مسؤولية هذا الضعف وقد يكون ساعد عليه هو وغيره، وكل بحجمه.
التوظيف السياسي الجاري لا يعزز من مشروع الدولة كمشروع وطني قادر على الصمود في وجه الهويات الخاصة. فنجاح حزب الله في اعادة اعمار هذه المنطقة من لبنان لا يزيد من احساس من يمثلهم بالانتماء الى الدولة ووظيفتها، بمعنى ان هؤلاء – وربما يمكن القول مجازا اننا نحن "جماعة الشيعة" – لدينا من
يتولى شؤوننا وينجح في تحقيق مطالبنا وقادرعلى انتزاع حقوقنا من الدولة التي تبدو بمثابة صندوق مالي
وخدماتي وليس الكائن الذي يجمع المواطنين اونقطة الارتكاز التي لاتستقيم احوال المواطنين من دون الوقوف عليها. بل الخطورة في ان يتحول الوسيط هو نفسه الى نقطة الارتكاز وليس الجسر الذي يحول مطالب المواطنين الى برامج سياسية ترفد الدولة وتزيد من انتماء المواطن اليها.

ففي المآلات البعيدة لا بد لأي عمل مهم او انجاز كبير ان يقوم على تعزيز حماية المواطن ومصالحه. وكل من يتصدى لمشروع ،هو من مسؤولية الدولة، يساهم بحسن نية اوسوء نية في بناء مرجعية ابوية على حساب الدولة. وفي ظل غياب الروح الوطنية وضعف الهوية الوطنية الجامعة نشهد ذبول العناوين الجامعة، وبالتالي المزيد من تبلور صيغ "المجتمع الخاص". ليصبح خطاب العودة الى الدولة والالتزام بمقتضياتها في هذا المجتمع بهلوانيات شعاراتية ليس اكثر هدفها سيطرة الخصوصية على الحيز الوطني العام والمشترك.
وفي هذا السياق تبقى معضلة التوفيق بين القوة الرادعة للعدو ومرجعية الدولة من دون حل. فكيف يمكن التوفيق بين وجود السلاح كمصدر قوة في وجه العدو من دون ان يكون على حساب الدولة؟
ثمة ضمور مستمر للدولة ولحضورها في وعي الفرد الشيعي واللبناني عموما .وذلك لأن الدولة تستقيل من مسؤولياتها. ونحن نساعد على هذه الاستقالة. وهي اقوى لدى الشيعة بسبب وجود "الاب الحنون" وتفوق القوة الخاصة لديهم، وليس بالطبع بسبب جينات خاصة تكون ميولهم.

السابق
طائرة تجسس اسرائيلية تحلق في النبطية وإقليم التفاح
التالي
الأنوار: حملة عون المتصاعدة على رئيس الجمهورية وجنبلاط تعجل بانهيار الحكومة