مشروع الليطاني الذي تجرع البطء سنين طوالاً

بين كفي كماشة "التمويل" والتلوث" المحدق بمياهه… يقف مشروع الليطاني اليوم، المشروع الذي وصفه "الجنوبي" بأنه "حلمه وخلاصه" من أزمة "الشُح" الذي يرزح تحت وطأتها صيفا، وندرة "المشاريع التنموية" الشبه غائبة عند مجراه أقلها مشاريع توليد "الكهرباء"!!… بين كل تلك الهواجس يقف "المشروع الحلم" عند نقطة…فاصلة، نقطة البداية التي إنطلقت في كانون الأول من هذا العام، وفاصلة الانطلاق الفعلي التي يبدو أنها تقف عند "خدر" الدراسات الإنشائية، وما أدراك ما "داهيه" تلك الدراسات التي يطول أمدها إلى "أبعد" من حدود "المشروع".
لقد "دعس" لبنان أولى خطوات مشروع يراه الجنوبي أنه "بتروله" الذي سيغير معادلته الإقتصادية والإنمائية، مع الدراسات الإنشائية التي تتولاها دار الهندسة بالتعاون مع شركة lahmayer الألمانية، ولكن التخوف أن "تحلب" الدراسات كل التمويل إذ تبلغ تكلفتها 14 مليون دولار والحبل على الجرار، ويتوقف مجدداً عند خط تماس "التمويل – التنفيذ" الحد الفاصل بين الحلم والحقيقة.
وبعد، تبلغ تكلفة مشروع الليطاني الذي يروي 15 ألف هكتار من الأراضي الزراعية" ما يقارب الـ 850 مليون دولار ممول من الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي والصندوق الكويتي للتنمية الإقتصادية العربية، وسينفذ على مرحلتين:
– الأولى للإنشاءات المائية الاساسية التي ستنقل المياه، تبلغ تكلفتها 330 مليون دولار، موزعة بين إعداد الدراسات الإنشائية الالمانية 5مليون دولار ، variation order متوفر منها 200 مليون دولار.
– المرحلة الثانية مخصصة لمد الشبكات المائية لري 15 الف هكتار تتراوح تكلفتها بين 350-400 مليون دولار ويستغرق انجاز المشروع 5 سنوات هذا في حال لم يعترضه عراقيل طارئة كالاستملاكات ونقص التمويل وهلم جرا..

خارطة طريق الـ800
ولكن قبل خوض غمار المعوقات التي تعترض سيبل "الحلم" لا بد من الإطلالة على خارطة طريقه يقول الباحث الدكتور يوسف حمزة إن "المشروع يقوم على سحب المياه من بحيرة القرعون إلى الجنوب عبر الجاذبية، عن طريق نفق وقناة ري و"سيفونة"(تساعد في عملية الضخ) وقناة مفتوحة وشبكات ري"، أما عن خط سيره يشير حمزة "يبدأ من قناة تمتد من بحيرة القرعون مرورا بيحمر البقاع بطول 19,22 الف كلم، يدخل في قناة مقفلة عبارة عن قساطل تربط الإنشاءات المائية ليسير قي نفق يحمر بطول 5530 متراً يصل إلى غرفة "التوازن" عرضها مترين ونصف وطولها 9 أمتار، ومنها تنتقل المياه إلى حوض "التعديل" الذي يرتفع 4 أمتار عرض 5.30 وطول عشرين متراً، يتوجه بعدها ناحية قناة "إيليا" التي يبلغ طولها 9 كلم، وتتألف من 3 غرف كل واحد منها عرض اربع أمتار وارتفاع مترين ينته في الجنوب في منطقة الخزانات في برعشيت سعتها 20 ألف متر مكعب من المياه ومنها توزع للقرى الجنوبية.
إذا المشروع "سهل لا يحتاج إلى كثير من التعقيد ولا إلى فلسفة مستعصية" يقول حمزة مؤكداً أن العراقيل التي واجهته تتمثل بـ"التمويل من ناحية والتلوث من نواح أخرى" دون أن ننسى "الاستملاكات التي قد تعيق رحلته خاصة عند دير ميماس والخردلي، وهنا يقترح حمزة بناء السد بين دير ميماس ويحمر بارتفاع 147 متراً يمكن عبره توليد كهرباء وتحويل المنطقة إلى منقطة استراتيجية – سياحية بل ويؤكد أنه "سينعش الحركة الإنمائية والعمرانية داخل تلك المنقطة "ويحل أزمة "الكهرباء أيضاً ويمكننا أيضاً بناء تلفريك، يؤكد حمزة ويظهر المخطط الهندسي الذي أعده لشاليهات وأوتيلات ومشاريع تنموية، ويعلق بالقول "بهذه الطريقة نحل أزمة الإستملاكات بل نتخطاها بعد أن نرفع البحيرة ليصل ريّها حتى جسر الخردلي المنطقة وتكلفة هذه السدود وفق ما يشير حمزة تبلغ "250 مليون دولار مع الدراسات".
اللافت في الأمر هو أن أحداً لم يتنبه لخطر التلوث الذي يجتاح "القرعون" ومعه "الليطاني" وبالتالي فإن فائدة المشروع قد تنعدم وتصبح دون جدوى، لذا يشدد حمزة على ضرورة معالجة التلوث الذي أصاب بحيرة القرعون فأصبحت اليوم ملتقى كل المجاري انطلاقاً من الصرف الصحي ومياه الصناعي والزراعي في البقاع وهذه أيضاً تدخل إلى التربة" وتعذي المياه الجوفية.
إذا يقف المشروع أمام معضلة التلوث، فالمشروع الذي يفترض أنه يحل أزمة مياه الشفا والاستعمال هو "ملوث" وكانت قد حذرت دراسة سويدية أقيمت بالتعاون مع مصلحة الليطاني منذ أكثر من عشر سنوات من خطر ارتفاع نسبة التلوث في الليطاني وقد أثبت أن هناك معدل الوفيات نتيجة التلوث هو 47 شخصاً في السنة وهي نسبة خطيرة وهنا يطرح حمزة معادلة بسيطة للحد من التلوث المحدق بالمياه قوامها:
1- إعداد مخطط توجيهي للطرق الصحية.
2- إعداد مخطط توجيهي لمعالجة وإعادة استعمال الوحول الناتجة عن عملية معالجة المياه المبتذلة المنزلية.
3- بناء وتشغيل محطات الصرف الصحي وإعادة استعمال المياة المكررة الناتجة عنها في القطاع الزراعي والصناعي.
4- إيجاد مراقبة دقيقة للتلوث البيئي الناتج عن الصناعة وعن المبيدات الحشرية المستعملة في الزراعة وإيجاد الحل المناسب.
السدود الصغيرة مجددا
"إن هذه الدراسة البيئية يجب العمل عليها فوراً" يقول حمزة مشدداً على أن "تنقذ قبل البدء بتنفيذ مشروع الليطاني" ولا ينسى أن يذكر بالأعباء الإقتصادية الناجمة عن فورة التلوث والتي تبدأ من " الفاتورة الصحية ومعها إرتفاع كلفة استعمال المصادر المائية البديلة مضافاً إليها الخسارة الناتجة عن تأثير التلوث على المرافق الصحية".
التخوف اليوم هو أن تكون "الدراسات" حبراً على ورق، أو حين تنجز يكون قد "تبخر" التمويل وتعود إلى نقطة "الصفر". ولكن السؤال لو نفذ المشروع قبل ستين عاماً ألم تكن تكلفته أقل هنا يقول حمزة أنه "لو نفذ المشروع منذ 30 سنة لكان له فعاليته الكبرى، أما اليوم تغير كل شيء، من المتغيرات المناخية إلى الجغرافية، حتى الأراضي لم تعد تحمل ذات الجدوى الاقتصادية التي كانت تحملها في الستينات لأن حاجة الناس إلى الأرض للبناء السكني أصبحت ذات جدوى اقتصادية أكثر من الزراعة".
وأخيرا سرت معادلة "مشروع الليطاني" وانطلق العمل النظري تمهيداً للانتقال إلى الميداني، وهل سيعبد الطريق لتصل للحقيقة أم سيُضخ في طريقها وابل "الجراثيم" السياسية التي "تطير" المشروع الذي يراه حمزة "حقق أحلام اللبنانين عموماً والجنوبيين على وجه الخصوص وحلم المهندس إبراهيم عبد العال حسب النمط التفكير الذي كان سائداً في الخمسينات والستينات من القرن الماضي" ما يدل أن هناك تعديلات يجب أن يأخذها بعين الاعتبار لأنه وفق حمزة "هناك ظروف أفضل لري الجنوب تكمن في إنشاء سدود صغيرة على طول مجرى النهر ذات خصائص صديقة للبيئة، يكون الري بواسطة الجاذبية، ويساهم تعدد البحيرات في تعزيز التنمية المحلية للقرى.
ولا ينسى حمزة الإشارة إلى أن "الدولة لديها خطة خمسية منذ عام 2000 لبناء 25 سداً كبيراً ووسطياً"، نفذ منها وفق حمزة "سد شبروح"، فيما هناك دراسات لكل من "سد جنة، الدامور، كفرصير" مشيراً إلى وجود "دراسة شبه أولية لسد بسري، على أن تقوم الدولة بجر مياه نهر الأولي إلى بيروت عما قريب"، كاشفاً عن وجود "تلزيمات لسد العاصي والقيسماني".
إذا هناك مخططات ودراسات ولكن ما الذي يحول دون تنفيذها هل معوقات بيئية أم مالية؟ لا يتردد حمزة بالقول إن "المشكلة الأساسية لعدم استكمال بناء السدود هي مشكلة مالية وليست بيئية كما يعتقد البعض، لأن اليوم لا يوجد أي مشروع دون دراسة بيئية والجدوى البيئة هي التي تقرر استكمال بناءه سواء كان مائياً أو غيره"، ويلفت حمزة "إلى ضرورة بناء سدود صغيرة، لأنها أفضل وأقل تكلفة من السدود الكبيرة" معللاً الأمر بأن "مصادرنا هي ذات مجاري مائية صغيرة تناسبها السدود الصغيرة والبحيرات الجبلية، وذلك لأن مشروع البرك الجبلية هو مناسب للبنان، لتغذية المياه الجوفية أيضاً".
ويركز حمزة على ضرورة استغلال كل مصادر المياه ومنها المتفجرة على طول الساحل اللبناني إذ يقول أن "عملية استخدامها سهلة جداً، نضع أنابيب على منصات من الباطون أو من الخشب ونحفر داخل البحر على عمق بسيط جداً، لأن الينابيع متفجرة في البحر ونستطيع استخدامها للشفة على طول الساحل اللبناني".
باختصار يمكن القول أن المسافة التي تفصل الحلم عن إبصار النور "نقطة" واحدة، وهي السرعة في تنفيذ مشروع تجرع البطء سنين طوالاً، وعلى أمل أن يصدق الوعد ويكتمل "حلم المهندس عبد العال"، حقيقة واحدة مؤكدة أنه آن للجنوبي أن ينعم ولو لمرة واحدة "بحقيقة" وإن بعد غدر سنين طوال، ويفقأ عين عدو يحاول أن يسرق مياهه بأي وسيلة حتى ولو كانت حرباً جديدة.
  

السابق
مصدر وزاري يستبعد انتخابات المغتربين اللبنانيين في الانتخابات المقبلة
التالي
كاتي بيري تبيع «عش الزوجية» في نيويورك