جزر الأزمات

إنتقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى، (السبت 14 الجاري). لم تكترث غالبية اللبنانيين، او لم تعِر اهتماما لهذا الموقف، القلّة القليلة ناقشته في دوائر ضيّقة، وكانت لها مواقف منه لم تأخذ طريقها الى الاستغلال السياسي، ربما للتزامن مع جلسات المناقشات النيابية الصاخبة، والتي نشرت كلّ الكيديات على السطوح.

الموقف الرسمي هذا، لم تهضمه الجهات المعنيّة بعد، دولة الإمارات تعتبره طبيعيّا بديهيّا، لم ينطو على أيّ جديد، وهو من باب تحصيل الحاصل، فالجزر إماراتيّة، وهناك قرارات عربية متخذة على مستوى مجلس الجامعة، وأيضا على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي فإنّ ما أقدم عليه لبنان، ما هو إلّا إعادة التأكيد على تلك القرارات التي ساهم باتخاذها، فضلاً عن أن مصالح البلدين تقتضي اتخاذ مثل هذا الموقف.
بدورها، لم تحرّك دوَل مجلس التعاون ساكناً، ولم نشهد تدافعا للسفراء الخليجيين أمام مكتب الرئيس ميقاتي في السراي، ولم تسجّل زيارة لأيّ منهم حاملا رسالة شكر وامتنان وتقدير، بل تعاطى بعضهم مع هذا الموقف بتجاهل تام، ومن منطلق أن "لا شكر على واجب، وما يقوم به لبنان هو أقلّ الواجب".

وقابلت إيران الموقف اللبناني بصمت، إلّا أن البركان ناشط، وتتفاعل حِمَمه كالمرجل، وإن كان الانفجار مستبعدا، ومأخذها نابع من أن الموقف الميقاتيّ يتعارض وسياسة النأي بالنفس، وكيف يكون ذلك، وهو الذي يضع لبنان في موقع الفريق في قضيّة الجزر الثلاث التي هي موضع خلاف إماراتي خليجي – إيراني منذ عقود؟ ثم ما الفائدة في أن يقحم نفسه والبلاد ضدّ إيران التي لها مواقع نفوذ على الساحة اللبنانية، وداخل الحكومة الميقاتيّة تحديدا، كما لها الكثير من العروض الخدماتيّة في مجال الكهرباء والطاقة، وفي مجال تجميع المياه، وإقامة السدود، وأيضا في مجال التعاون الزراعي والصناعي والتجاري، والتي لم يؤخذ بها، إمّا لاعتبارات طائفيّة – مذهبيّة، وإمّا لاعتبارات مصلحيّة – اصطفافيّة، حيث يعتبر رئيس الحكومة، ومعه تيار سياسي عريض، بأن لا مصلحة للبنان في أن ينحاز للعروض الإيرانيّة، خشية من أن ينعكس ذلك على علاقاته الممتازة والمميّزة مع دول الخليج.

وجرت في الأيام الماضية حركة اتصالات واسعة شملت الداخل والخارج، لتوضيح الموقف الميقاتيّ وتبريره، لتلافي أي ردود فعل غاضبة او شاجبة او مستنكرة، وكان الاعتقاد "أنه قطوع وفَات"، لولا الزيارة التي قام بها رئيس القمّة العربيّة الدوريّة، رئيس الحكومة العراقيّة نوري المالكي الى طهران، واللقاء المتلفز مع آية الله علي خامينئي، والمواقف الجريئة التي أعلنت عن قيام نوع من التحالف الإيراني – العراقي.

وتزامنت زيارة المالكي، في عزّ الغضب الخليجي من زيارة نجاد، والتي تعكس مدى التورط الإيراني بملفات اقتصاديّة وأمنيّة وسياسيّة كثيرة في المنطقة، وكانت رغبة دول مجلس التعاون طرح هذه الأولويات على مجلس الجامعة لاتخاذ مواقف واضحة وعلنيّة منها، وإذ فجأة تصبح القمة العربيّة في الحضن الإيراني، وسبق للمالكي أن فتح النار على دول مجلس التعاون أثناء انعقاد القمّة في بغداد، مهددا أنظمتها بـ"تسونامي" الربيع العربي، وهو يفتح النار من جديد، ومن موقع رئاسة القمة العربيّة، في وقت شديد الحساسيّة، حيث تؤشر كل المعلومات الى احتدام معركة سياسيّة – ديبلوماسيّة – إعلاميّة حامية الوطيس ما بين دول مجلس التعاون وإيران، حول الجزر، يمكن أن تصبح مفتوحة على خيارات عسكريّة، بعد القرار بإجراء مناورات ضخمة لقوات درع الجزيرة في دولة الإمارات.

ولبنان الذي اختار أن يكون طرفاً في هذه المواجهة، لاعتبارات انتمائيّة ومصلحيّة، يدرك تماما حجم النفوذ الإيراني على أرضه، وبقي عليه أن يعرف كيف يعود الى النأي بالنفس، ويمارسه لتحصين ساحته، وتحييدها، والوقوف بعزم وتصميم ضدّ أي محاولة تريد أن تجعل منها ساحة لتصفية حسابات الآخرين من الأقربين والأبعدين على حساب أمنه واستقراره، خصوصا إذا ما انفلتت الأمور من عقالها، واندفعت الى المواجهات الكبرى نتيجة تحالف إيراني – عراقي – سوري واضح في مواجهة الخليج، ونتيجة كلام الرئيس الأسد عن إعادة النظر في تعاطيه مع الشأن اللبناني، وفي ذلك تهديد ووعيد، وأيضا نتيجة اندفاع رياح التطورات البحرينيّة واليمنيّة، بما لا تشتهيه السفن السعوديّة – الخليجيّة؟!.

السابق
خط أحمر
التالي
الاخبار: جنبلاط خارج الأكثرية