الاخبار: الأكثرية تنعى الحكومة: سليمان أطاح الثقة برفضه استخدام صلاحياته

تحوّلت جلسة مجلس الوزراء إلى نقاش في صلاحيات رئيس الجمهورية، بين الرئيس ميشال سليمان ووزراء الأكثرية الوزارية في معرض طرح موضوع إنفاق الـ8900 مليار ليرة. لكن بالنتيجة، استمر سليمان على رفضه استخدام صلاحيته المنصوص عليها في الدستور، لتبقى الحكومة إما مشلولة أو تستمر بالإنفاق المخالف للقانون

لم تكن جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في قصر بعبدا أمس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان وحضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، عادية بالمفهوم السياسي؛ فقد تحولت إلى ساحة نقاش في صلاحيات رئيس الجمهورية، وعدم استخدام سليمان حقه الدستوري المنصوص عليه في المادة الـ58 لتوقيع مشروع قانون 8900 مليار ليرة وإصداره بمرسوم.

وبدا واضحاً من خلال النقاشات حرص فريق من الوزراء المحسوبين على «تكتل التغيير والإصلاح» والوزيرين محمد فنيش وعلي حسن خليل على الوقوف صفاً واحداً في مطالبة رئيس الجمهورية بتوقيع المرسوم، في تنسيق بينهم يذكّر بأداء كتلهم في جلسات المساءلة الحكومية. أما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فاعتصم بالموقف الوسطي، ونأى بنفسه عن الدخول في السجال بين الفريقين. وتولى الدفاع عن سليمان وزراء «جبهة النضال الوطني».

واستهل سليمان الجلسة بالطلب إلى وزير المال محمد الصفدي الاستمرار بدفع الرواتب والأجور وملحقاتها، وأوضح أنه لا يمكن توقيع مرسوم الـ8900 مليار بالحالة الحاضرة «لأنه قابل للطعن». وأشار إلى أنه عرض المشروع على عدد من القانونيين الذين أكدوا له أنه يتضمن مخالفات دستورية وقانونية. وقال إنه كان يتمنى أن يمر هذا المشروع في مجلس النواب، وإنه رغم اقتناعه بأن الانسحاب من الجلسات حق ديموقراطي للكتل النيابية، فإنه كان يتمنى لو أن نواب المعارضة ظلوا في الجلسة، وأدلوا برأيهم في الداخل. وقال سليمان: «لا أريد أن أكون المعرقل، فليطرح مجلس الوزراء مشروعاً جديداً، ونحيله على مجلس النواب بسرعة، أخذاً بملاحظات لجنة المال والموازنة. ويمكن مجلس النواب الإسراع بدراسة المشروع، وأنا سآخذ المبادرة حينذاك». وأضاف: «ولو، أنا رئيس الجمهورية، ألا تثقون بكلامي؟ ومن أعطى رئيس الجمهورية حق الحفاظ على الدستور يثق بأن رئيس الجمهورية سيلتزم كلمته».
وأشارت المصادر إلى أن وزير الطاقة جبران باسيل ركّز على نقطتين: هل يصبح المشروع دستورياً إذا وضعت لجنة المال ملاحظات عليه؟ فهو إما دستوري أو غير دستوري. ودستوريته لا تتوقف على ملاحظات تقنية وضعتها لجنة المال. وإذا كانت هذه هي المشكلة، نستطيع نحن كحكومة أن نصدر قراراً بضوابط الإنفاق التي أقرت بملاحظات لجنة المال».

أما وزير العدل شكيب قرطباوي، فأشار إلى أن «أهم القوانين صدرت بموجب هذه الصلاحية، الصلاحية المعطاة لرئيس الجمهورية في المادة الـ58 من الدستور، معدداً إياها ومنها قانون المحاسبة العمومية»، لافتاً إلى أن الرئيس كميل شمعون استخدمها 40 مرة، والرئيس فؤاد شهاب 200 مرة، وإلياس سركيس 45 مرة.
من جهته، أوضح وزير العمل سليم جريصاتي «أن كل القوانين قابلة للطعن، ولا يستطيع رئيس الجمهورية الامتناع بحجة الطعن».
وشدد الوزراء المدافعون عن ضرورة توقيع رئيس الجمهورية «على أهمية بت الإنفاق من أجل تسيير الأوضاع في الإدارات والوزارات. نحن لسنا مخالفين ونقوم بكل أمر قانوني، ولا نقبل أن يقال لنا إذا خالف غيرنا فلنخالف نحن أيضاً. لا نريد أن نكرر مخالفات (الرئيس فؤاد) السنيورة وأن يكون الحل معادلة الفساد بفساد».

الوزير محمد فنيش أكد في الجلسة «الحاجة لأن تخرج الحكومة من التعطيل، وخاصة في مجال الإنفاق. ونحن واقعون في معضلة لا حل لها إلا باستخدام رئيس الجمهورية لصلاحياته»، لافتاً إلى أن «استمرار الإنفاق الحكومي القانوني مهم إلى درجة أن إحدى المواد الدستورية تعطي مجلس الوزراء حق حل مجلس النواب إذا عطل الأخير صدور الموازنة بهدف تعطيل العمل الحكومي».
وعلق فنيش على قول الرئيس بأن المشروع يتضمن مخالفات دستورية وقانونية، مشيراً إلى أن مجلس الوزراء ناقش المشروع ذاته وأحاله على مجلس النواب، فكيف ناقشناه حينذاك وفيه مخالفات دستورية وقانونية؟
وتحدّث فنيش عن الدفع الذي كان ينبغي أن تحصل عليه الحكومة منذ نيلها الثقة، فيما هي اليوم تبدد هذا الدفع من خلال إما التعطيل أو الإنفاق من خارج القانون.
وقدم الوزير علي حسن خليل مطالعة أكد فيها أهمية هذا المشروع للعمل الحكومي عموماً، مشدداً على ضرورة أن تمثل الثقة النيابية محطة لانطلاقة جديدة للعمل الحكومي، ولا يجوز الاستمرار بالإنفاق خلافاً للقانون.
واستغربت مداخلات عدد من الوزراء «عدم قبول رئيس الجمهورية استخدام صلاحيته، ولو بأمر بسيط، فيما يرفض أن يناقشه أحد بصلاحياته، وحين تأتيه صلاحية لا يستخدمها. هذا قانون سلفات، وليس قصة تحتاج إلى تخاذل وتراجع، فهذه مسؤولية سياسية».

واحتد النقاش بين الطرفين حين سأل الوزير جبران باسيل رئيس الجمهورية: ماذا ستفعل؟ فردّ سليمان منفعلاً بالقول: لا أحد يملي علي تصرفاتي. وفيما لم يتلقّ الرئيس سنداً جدياً من الوزراء المحسوبين عليه، تولى وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور مهمة الدفاع عن سليمان، مشيراً إلى أن وزارته بحاجة ماسة إلى إقرار المشروع، لكن هذا لا يعني تحميل رئيس الجمهورية وزر هذه القضية؛ «فهذه الحكومة لم تخفق في ملف الإنفاق المالي وحسب؛ إذ ماذا فعلنا في ملف الكهرباء مثلاً، وماذا عن التعيينات وقانون الانتخاب؟». ولفت إلى أنه «لا يجوز اتهام الرئيس بأنه يضمر نية تأليف حكومة تكنوقراط»، مذكراً بأنه «يجري التشكيك في انتمائنا إلى هذه الحكومة، ويُفرض علينا كل يوم إجراء فحص دم سياسي، لكن عندما طُرِح المشروع لأول مرة في مجلس النواب نزلنا جميعاً، فيما شركاء آخرون في الحكومة لم يحضروا الجلسة».
كذلك تولى الوزير غازي العريضي الدفاع عن موقف رئيس الجمهورية.

واللافت في الجلسة أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «نأى بنفسه» عن الخوض في هذا الملف. ورأت مصادر وزارية «وسطية» أن هذا الأمر يعود إلى أن ميقاتي لا يريد أن يظهر بموقف المعارض لرئيس الجمهورية، وخصوصاً أنه يشجع على استخدام سليمان صلاحية إصدار المشروع بمرسوم.
وقالت مصادر من قوى الأكثرية الوزارية لـ«الأخبار»: «عملياً نحن ننعى الحكومة، لأن رئيس الجمهورية ميشال سليمان أطاح الثقة التي حصلنا عليها، فمن دون إنفاق لا حكومة».
ووافق المجلس على اقتراحات وزارة الخارجية والمغتربين المتعلقة باقتراع اللبنانيين المقيمين في الخارج، وتشكيل لجنة عليا مشتركة لبنانية _ إيرانية برئاسة رئيس مجلس الوزراء. كذلك وافق على زيادة التعرفات الطبية والاستشفائية، وتعيين جان العلية مديراً عاماً لإدارة المناقصات في التفتيش المركزي. ووافق على خفض زنة ربطة الخبز 900 غرام وتثبيت سعرها الحالي أي 1500 ليرة (راجع صفحة الإقتصاد).
ودعا ميقاتي المجلس إلى عقد جلستين يومي الأربعاء والخميس المقبلين، ثم غادر إلى بلجيكا في زيارة رسمية تستمر يومين، والتقى مساءً رئيس الوزراء البلجيكي اليو ديروبو.

السابق
الانوار: اضراب السائقين يشل الحركة والمعارضة تهدد بالعصيان المدني ورئيس الجمهورية لمجلس الوزراء: لن أوقّع
التالي
اجتماع ثلاثي بلا نتيجة في الناقورة