هشاشة

أظهرت جلسات المناقشة العامة لسياسة الحكومة النجيبية إذا صح التعبير المدى البعيد الذي بلغه الانقسام العامودي بين مكونات الشعب اللبناني من خلال ممثليه في مجلس النواب، والمدى الذي بلغه الاصطفاف السياسي بين فريقين لا يلتقيان، ما من شأنه أن يضع البلاد برمتها أمام منزلقات خطرة يمكن أن ينزلق إليها الفريقان أو أحدهما في أية لحظة تخلٍ، وبات من مستلزمات المسؤولية الوطنية التي تقع على عاتق كل واحد من الذين اجتمعوا تحت قبة البرلمان، إعادة النظر في أساليب عملهم، وإعادة تقويم هذه الأساليب لتفادي الوقوع في هذه المنزلقات.

فاللبنانيون الذين رافقوا المناقشات التي دارت في ساحة النجمة بين فريق الموالاة الذي يساند الحكومة ويدعم بقاءها في سدة المسؤولية للإشراف على الانتخابات النيابية التي تشكل مفصلاً مهماً في الحياة السياسية، ترسم خريطة مستقبل الأوضاع في هذا البلد، كانوا في داخليتهم يتأملون أن تشكل جلسة المناقشة العامة للنواب ومرجعياتهم، مناسبة للتخفيف من حدة الانقسام والاصطفاف السياسي، والتلاقي مع الدعوات التي كنا نسمعها، تنطلق من أفواه كثيرين من السياسيين الرسميين وغير الرسميين، على قواسم مشتركة تحصن الوضع الداخلي، من تداعيات الربيع العربي الذي يجتاح المنطقة وصولاً إلى سوريا الجارة القريبة من لبنان، ومنع هذه التداعيات من أن تضرب الوحدة الداخلية، وتحول هذا البلد إلى ساحة مستباحة لتصفية الحسابات الداخلية والاقليمية، فإذا بالمناقشات التي دارت تحت قبة البرلمان لا تقدّم سوى تأكيد التباينات والاختلافات الحادة بين اللبنانيين حتى على البديهيات منها، التي ظلت بعيدة عن أي اختلاف حولها، مهما اشتدت الخصومات والاختلافات والتباينات والاصطفافات السياسية والمذهبية ومعها كل الاختلافات على المصالح الذاتية التي لم يستطع الطاقم السياسي الذي توالى على السلطة من التخلص منها، أو على الأقل من وضعها في المرتبة الثانية أو الثالثة من اهتماماته، وإذا بالأجواء كلها، توحي وكأن جلسة المناقشة العامة شكلت بالنسبة الى فريق سياسي يهيمن على السلطة، فرصة أو مناسبة لإغراق البلد بمخزون إضافي من أسباب الانقسام والاصطفاف السياسي، من خلال تركيزه على العصبيات وتحريك الفتنة الطائفية التي هي أصلاً لم تنم منذ أكثر من ست سنوات، وإشعال النار في برميل بارود الطائفية والمذهبية كما فعل أحدهم واضطر رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الرد عليه بلهجة قاسية وحازمة بعدما عبّر عن قرفه من المستوى الذي آل إليه الخطاب السياسي في جلسة المناقشة العامة.

ولولا استدراك البعض للسلوك الذي طغى على المناقشات في اليوم الثالث من جلسات المناقشة العامة، وهم مشكورون على ذلك، ومسارعتهم إلى إعادة تصويب المناقشات في إطارها الصحيح، ورفع مستواها إلى النقاش الموضوعي وإن تناول قضايا بالغة الحساسية، لكانت ساحة النجمة تحولت إلى مبارزة بالأيدي وربما أكثر بين الفريقين، ولكان الاستقرار الممسوك الذي يتغنى به رئيس الحكومة تحول إلى عكسه وهو في مطلق الأحوال غير متماسك، وأكثر من ذلك أنه استقرار هش في بلد بلا أبواب ولا جدران تمنع الرياح العاتية من مهاجمته.

السابق
الأنوار: مجلس الوزراء يكتفي بحفلة كنافة
التالي
حادثة لافتة