سامي: في طريق الخروج من الشرنقة

قد يرى البعض أن ما قام به النائب سامي الجميّل مجرّد خطوة صبيانيّة، لكن في حسابات الشاب، وفريق عمله، فإنه استطاع أن يتصرف كمسؤول

«سامي الجميّل أربك المعارضة بالأمس، ولا نعرف ما قراءته السياسية. الكتائب دائماً يتميز عن 14 آذار»، واضحة جداً عبارة النائب جان أوغاسبيان. في مكان آخر، يكتب شاب ينتمي إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي على صفحته في الفايسبوك أنه ليس من محبي الجميّل، لكنه يوافق على خطابه في مجلس النواب.

يجلس اليوم أعضاء فريق عمل الشاب المتني، والفرحة تغمرهم. حقق هؤلاء أكثر مما توقعوا من كلمة نائبهم، التي أمضوا ساعات طويلة في إعدادها. أثاروا حنق قوى 14 آذار، مثلما أثاروا حنق قوى 8 آذار. عرّوا الأكثريّة والحكومة، مثلما عرّوا المعارضة.
في الحساب الأوّل للنتائج، يقول الكتائبيّون إن الحكومة اليوم، باتت أكثر من عرجاء نتيجة التصويت في مجلس النواب. الثقة التي نالتها، هي ثقة النواب الحاضرين في المجلس. ثلاثة وستون صوتاً من أصل مئة وثمانية وعشرين، إنها ثقة ناقصة. ويُضيف الكتائبيّون، في الشكل وفي المضمون لم تعد هذه الحكومة تمثّل نصف اللبنانيين. إنها تُمثّل أقلّ من النصف. يبتسمون طويلاً لهذه النتيجة.

يقول الكتائبيّون إنهم لم يكونوا يتوقعون سقوطاً مدوياً للحكومة في البرلمان. يستدلون على ذلك بكلمة نائبهم، لكنّهم يؤكّدون أن طرح الثقة هدفه برهنة ما قاله سامي الجميّل عن فشل النظام السياسي، وعن عدم القدرة على محاسبة الحكومة، أيّ حكومة، الحاليّة والسابقة واللاحقة. وهذه النتيجة الثانية لإصرارهم على طرح الثقة. في كلمات أخرى، يُريدون التأكيد مرة جديدة على فشل النظام السياسي. لديهم بديل، لكنهم غير مستعدين لطرحه على النقاش بعد. الظروف غير مؤاتية في رأيهم. في المرحلة الأولى يريدون إجماعاً وطنياً على فشل هذا النظام. أمّا البديل، فيأتي بعدها، ويحتاج إلى نقاش هادئ. يجزمون بأنهم غير متمسكين بطرحٍ ما، لكن الجميّل، لمّح إلى بعض من هذا البديل، عندما قال في كلمته، إنه يريد تقديم مشروع قانون عن اللامركزيّة الإداريّة. يشددون على الإداريّة هنا. في لا وعيهم يُريدونها سياسيّة، لكن في وعيهم يدركون أن الأمر مستحيل اليوم.

عند سؤال بعض العاملين في فريق سامي الجميّل عن أسبابهم لطرح الثقة. يقول هؤلاء إنهم أرادوا مساءلة الحكومة على نحو جدي، وفي الوقت عينه لا يمكن الغياب عن بعض الأمور مثل الكهرباء والاتصالات ونقولا فتوش، وما يطالب به من تعويض بقيمة 400 مليون دولار. يتحدث هؤلاء عن أن هذه الحكومة قد تكون من الأسوأ، وأن بعض وزرائها أكثر من سيّئ، لكنهم يضيفون إن أي حكومة جديدة لن تكون أفضل. ويلفت هؤلاء النظر إلى أن النواب مسؤولون، لا مراقبون، عليهم طرح حلّ، لذلك أتت كلمة الجميّل في هذا السياق. ليس مجرد توصيف للحلّ، بل طرح عناوين حلول.
ويُضيف فريق الجميّل إن الأساس، هو أن يكون الجميّل متجانساً مع نفسه، «إذ لا يُمكن أن تُثار عشرات الفضائح على مدى ثلاثة أيام، ولا ينتج منها طرح الثقة بالحكومة، أو بأحد وزرائها».

طرحَ الجميّل الثقة ودارت الاتصالات معه. فطرح على من تواصل معه حلولاً واقعيّة: أعرف أن الحكومة ستنال الثقة، لكنني لن أتراجع عن طرح الثقة إلّا في حالة واحدة، وهي التعهّد بعدم الدفع لفتوش، وإقرار لجنة تحقيق برلمانيّة في موضوع الكهرباء. لم يستطع أحد تأمين هذين الموضوعين، فاستمر الجميّل في طرحه. هنا برزت أمور إضافيّة.
بد واضحاً أن فريق 14 آذار قد اتفق مع النائب وليد جنبلاط على عدم طرح الثقة، لهذا كان النائب أكرم شهيّب حانقاً. اضطر شهيب إلى التواصل مع العونيين، عندما بات هؤلاء يقولون إنهم مع طرح الثقة، ويطلب السكوت. ولهذا عمل فريق 14 آذار جاهداً لسحب طلب الجميّل. من كان في مجلس النواب، سمع صراخاً من النائب جورج عدوان على بعض مستشاري الجميّل. هكذا، تبيّن أن 14 آذار رأت أن الفتى الكتائبي «تحصيل حاصل» وليس ضرورياً التنسيق معه، وشرح أسباب الاتفاق على عدم طرح الثقة. فخرجت 14 آذار مهشّمة من طرح الثقة، مثلها مثل الحكومة. جسمها مضعضع، وجمهورها مستغرب. لماذا الانسحاب على هذا النحو؟ ممّ الخوف؟ هل من تسوية مع الحكومة؟ وهل فعلاً، أن ما قاله عدوان صحيح، عن أن قوى 14 آذار ستدافع عن الحكومة، لأنها تزيد من شعبيّتها؟ فهل هو هذا الهاجس، بدل أن يكون تحسين وضع. أسئلة قالها بعض جمهور 14 آذار، منها خرج إلى صفحات ليلة أوّل من أمس. ومنها من قيل في جلسات مغلقة.

في المحصّلة، بات على 14 آذار التنسيق مع هذا الفتى في كلّ خطوة، أمّا هو، فتمكّن من نيل إعجاب جمهور جديد لطالما تحدث عن عنصرية حزبه. واحد منهم مدوّن اسمه خضر سلامة كتب يوم أمس: «بعتقد كتار رح ينزعجوا من هالشي، ولكن سامي الجميّل كان أفضل من تكلّم، النائب الوحيد الذي تكلم عن الدولة كدولة، مش كقطعان طوايف واحزاب ومصالح، وحديثه عن اللامركزية صائب وصحيح». سامي الجميّل استعاد بعضاً من روح فقدها في المرحلة الأخيرة!

السابق
مشاكل ايرانية
التالي
الجميع ينتظرون واشنطن