دو كيزير: فشل خطة أنان سيؤدي إلى تصعيد العنف

طالبت النائبة الأوروبية ونائبة رئيس مجموعة «التحالف التقدمي الإشتراكي والديموقراطي» للشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي فيرونيك دو كيزير السلطات اللبنانية بإعطاء حرية حركة أكبر للنازخين السوريين في لبنان من أجل توسيع فرص العمل أمامهم وتخفيف الضغوط عن العائلات اللبنانية التي تستضيفهم في ظل ظروف «شديدة الصعوبة».
وكانت دو كيزير التي اختتمت، أمس، زيارة للبنان دامت أربعة أيام، قد جالت في منطقة وادي خالد في عكار، أمس الأول، متفقدة النازحين السوريين، ترافقها النائبة في البرلمان الأوروبي ومنسقة المجموعة في لجنة الشؤون الخارجية آنا غوميز ورئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان أنجيلينا إيخهورست.
وقالت البرلمانية الأوروبية البلجيكية الأصل في حوار مع «السفير» إنها اقترحت على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي توسيع أعمال الإغاثة وتكثيف الجهود في شأن النازحين السوريين وتوسيعها الى مناطق أخرى غير الشمال، خصوصا في منطقة البقاع، ولفتت الانتباه الى أن ميقاتي عبر لها عن موافقة مبدئية وكذلك رئيس الجمهورية ميشال سليمان، إلا أن اتخاذ هذا القرار يحتاج الى نقاش معمّق بسبب «حساسية الموضوع» كما أبلغها ميقاتي، نافية التقدم بأي طلب لإقامة مخيمات للنازحين السوريين.
وإذ أعربت دو كيزير عن قلقها من بعض ما افضت اليه ثورات «الربيع العربي»، خصوصا في مصر أشارت الى أن الاتحاد الأوروبي يشترط لتمتين التعاون مع دول الجوار المتوسطي أمرين اثنين: صون حقوق النساء والحفاظ على الحريات الدينية وحقوق الأقليات.
في ما يأتي نص الحوار الكامل مع دو كيزير:

 ما هي المواضيع التي أثرتها مع المسؤولين اللبنانيين؟
 تحدثت عن لبنان وموقفه من الأزمة السورية والسيناريوهات المحتملة للأزمة السورية، وأعربت عن قلق الاتحاد الأوروبي والمجموعة السياسية التي أمثلها من قضية اللاجئين السوريين في لبنان، ونحن نتابع جهود البلدان التي تشهد دفقاً للنازحين من شمالي سوريا، خصوصا تركيا والأردن ولبنان، وأردت أن أشهد عن قرب كيفية تعاطي الحكومة اللبنانية مع هذه المسألة الحساسة جدّاً، وماهية الشروط التي تستقبل بها عائلات لبنانية نازحين سوريين.

 ما هو تقييمك الأولي لهذه المسألة، خصوصا بعد عودتك من زيارة للنازحين في وادي خالد وبعد لقائك مع مسؤولين في الهيئة العليا للإغاثة؟
 أود القول إنني وجدت في بلدكم آليات صلبة لمواجهة الصعوبات المترتبة عن هذا الوضع، توجد هيئة متخصصة للإغاثة، والحكومة اللبنانية تسهم عبر أدوات تابعة لها في حل هذه المشكلة، فضلاً عن الأمم المتحدة والسلطات المحلية والجمعيات الأهلية التي تعمل ميدانياً، ووجدت ايضاً جهات إسلامية تعمل ميدانياً بشكل جيد. لكن على الرغم من ذلك، فإن الوضع شديد الصعوبة. أودّ الإشارة الى العائلات اللبنانية التي تستضيف نازحين، فنحن ندرك أن منطقة وادي خالد فقيرة جداً كما أن أي نشاط اقتصادي بين لبنان وسوريا متوقف كلياً ما ينعكس شحاً في مداخيل هذه العائلات التي باتت تحتمل فوق ذلك، وجود النازحين، ما يعني أن الأزمة ذات مفاعيل مزدوجة على النازحين وعلى العائلات اللبنانية على حدّ سواء، وهذا ما يجعل القدرة الاستيعابية لهذه العائلات تتضاءل شيئاً فشيئاً. لذلك قررت الطلب من الاتحاد الأوروبي الذي يبذل الجهود في هذا الخصوص أن يضاعف مساعداته، علما بأن الاتحاد يمول الهيئة العليا لإغاثة النازحين وبعض الجمعيات المهتمة، ومن الممكن أن يضاعف جهوده في هذا المضمار. بالنسبة الى الحكومة اللبنانية، التي أحيي جهودها، فأنا أطلب منها ايضاً مضاعفة جهودها لمساعدة النازحين السوريين، خصوصاً مع تضاؤل القدرة الاستيعابية لعائلات المنطقة بسبب الفقر وجمود النشاط الاقتصادي وتزايد أعداد النازحين.

 هل سيطلب الإتحاد الأوروبي إقامة مخيمات للنازحين مثلاً؟
 لن نطلب إقامة مخيمات، وأعتقد أنه قرار منوط بالحكومة اللبنانية. لكن لا أعتقد أن تجربة المخيمات في لبنان تحمل ذكرى جيدة، وليس لي شخصياً أن أقترح أي شيء في هذا الشأن. لكنني أطالب بتأمين حرية حركة أكبر، خصوصاً للاشخاص الذين لا يعملون والمحتجزين في المدارس والذين لا يحق لهم التحرك والخروج بحرية، وأعتقد أن الأمر لن يعود محتملاً مع مرور الوقت. أعتقد أنه يجب توسيع التفويض الممنوح للهيئة العليا للإغاثة ليس في الشمال فحسب، بل في جميع المناطق التي تحوي لاجئين لأن إمكانية المساعدة تتضاعف مع توزّع النازحين على مناطق عدّة، ومع الإمكانات المادية التي ستعطيها أوروبا سيكون الوضع اسهل. وأعتقد ايضاً أنه من المفيد مساعدة العائلات اللبنانية التي تستضيف النازحين، وبالنسبة الى تلك المنطقة يمكن ايضاً وضع خطة عمل بين الإتحاد الأوروبي ولبنان من أجل تنمية تلك المناطق الفقيرة، خصوصا في الشمال. كذلك وجدت ضرورة في توسيع أعمال الإغاثة وتكثيف الجهود للنازحين الى مناطق أخرى، خصوصا في منطقة البقاع، وقد أثرت هذا الموضوع مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

 ما كان ردّه؟
قال إنه يعمل على هذا الموضوع، وهو يكتسب حساسية خاصة. وأعتقد أن الرئيس ميقاتي موافق على المبدأ والأمر سيان بالنسبة الى رئيس الجمهورية، لكن توقيت اتخاذ هذه الخطوة وكيفية اتخاذ القرار ما يزالان بحاجة الى دراسة متأنية ونقاش.

 أعلن مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا كوفي أنان أن وقف القتال في سوريا سيكون في 10 الجاري وأن دمشق بدأت بالتنفيذ التدريجي لبنود خطته، هل ترين أن التسوية السياسية في الشأن السوري ممكنة؟
 أعتقد أن خطة أنان هي الخطة الوحيدة الممكنة حاليا والمهم اليوم كيفية تطبيقها، ويدرك الجميع أن أي فشل في خطة أنان سيؤدي الى تصعيد للعنف والى حرب أهلية ومزيد من سفك الدماء. وبالتالي من المفيد تطبيق هذه الخطة لتجنب إراقة مزيد من الدماء، لذا يجب أن يتعاون الجميع لإنجاح هذه الخطة التي ندعمها كليا. وأعتقد أنه يجب بذل جهود كبرى وتوطيد التعاون بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا وحتى إيران لتهيئة الأرضية المناسبة للحلّ.
  هل من إمكانية لقيام مصالحة مستقبلية بين النظام السوري والإتحاد الأوروبي؟
 نحن في خضم فرضية انتقال للحكم في سوريا، والإتحاد الأوروبي لا يريد القضاء على نظام الأسد بأكمله أو التخلص من حزب البعث، البتّة. أفكر فحسب في شخص الرئيس الأسد الذي لم يف لغاية اليوم بأي وعد من وعوده، وستكون صعوبة كبيرة أمام إمكانية المصالحة معه. ونحن كبرلمانيين أوروبيين سنصر على المطالبة بالتحقيقات اللازمة في شأن مجموعة الجرائم التي وقعت في سوريا، وأياً يكن المرتكب فلن نسمح بإفلاته من العقاب وهنا جوهر القضية التي لن تسهّل أي تقارب جديد.

 ما هي الرسائل التي نقلتها الى النواب وليد جنبلاط وفؤد السنيورة ومحمد رعد، خصوصا أن الثلاثة لا يتقاسمون الرأي نفسه بالنسبة الى الوضع في سوريا؟
 إستمعت الى قراءة كل شخصية لانعكاسات الأزمة السورية على لبنان ورأيها بخطة أنان ومسألة النازحين السوريين، وبسبب مواقفهم المتباينة قررت الإصغاء لكل شخصية على حدة.

 قابلت أيضاً وزير الخارجية عدنان منصور، ما رأيك بموقف الحكومة اللبنانية بالنأي بالنفس في الأزمة السورية؟
 ليس لي الحكم على كيفية مقاربة الحكومة اللبنانية لسياستها الخارجية، لكنني أعتقد أن السياسة الخارجية متأثرة هنا بإرادة الحكومة اللبنانية بالحفاظ على الإستقرار اللبناني. نحن نعلم مدى الإنقسام اللبناني حيال ما يجري في سوريا لكن يمكن القول إن الوزير منصور ورئيس الحكومة وكذلك رئيس الجمهورية وسواهم من المسؤولين أجمعوا على نقطة واحدة هي صون الإستقرار، ولا أحد من هذه الشخصيات قال إنه ينأى بنفسه عن الشعب السوري، بل أعربوا عن تأييدهم للديموقراطية وتنفيذ إرادة الشعب السوري، يوجد بالطبع اختلاف بالنسبة الى شخص الرئيس الأسد لكن لا أحد من اللبنانيين قال بأنه ضد سوريا ديموقراطية. وأعتقد أنه ليس المهم النأي بالنفس أم لا بل الحفاظ على الاستقرار وهو مطلب مشروع حتما.

 تأتين من تونس حيث شاركت في مؤتمر عن «الربيع العربي» كيف تنظرون كأوروبيين الى نتائج الانتفاضات العربية في تونس ومصر وليبيا، والى مخاوف وهواجس الأقليات المتزايدة؟
 لا أعتقد أنه يجب التفكير من منظار الخوف بل من منظار الحق. الموقف الأوروبي واضح ويريد أن تتمكن شعوب بلدان جنوب المتوسط من التمتع بكامل حقوقها. الأحزاب التي تمكنت من تولي السلطة فعلت ذلك بطريقة شرعية وديموقراطية، وإذا نظرنا الى برامجها نرى بأن الحقوق الأساسية محترمة، أقصد حريات التعبير والمذهب وحقوق النساء وسواها. الصورة مختلفة في البلدان التي ذكرتها. ولدينا في سياسة الجوار في المتوسط نظرة إيجابية مع كل بلد من هذه البلدان. من الأولويات لدينا مثلاً الحفاظ على حقوق المرأة ولن تكون لدينا شراكة متينة مع اي بلد لا يحترم حقوق النساء. ونحن أبلغنا السلطات الليبية هذا الموضوع وسنثيره مع المصريين أيضا.

 وماذا عن صعود الإسلاميين؟
 بالنسبة الى صعود أحزاب إسلامية الى السلطة، أشير الى أنه لدينا في أوروبا أحزاب مسيحية دموقراطية كثيرة تعمل في السياسة من منطلق ديني، هذا الأمر لا يزعجني أبداً لا سيما إذا انتهجت هذه الأحزاب برامج تصون حقوق الإنسان المعروفة. وما يزعجني ليس الأحزاب الإسلامية الصاعدة بل قانون الشريعة المرتبط ببعض القوانين والذي يسيء الى حقوق النساء، وبالتالي يجب التنبه لذلك. إلتقيت رئيس الحكومة التونسي وأقسم لي أن الإسلام يمكن أن يتزاوج مع الديموقراطية ورأيت فيه شخصية براغماتية. أما في مصر فأعتقد أن الوضع مختلف، لا أريد دفن آمال الديموقراطية في مصر، لكنني قلقة من صعود السلفيين، ولا أريد دحض كل الآمال بهذه الثورة التي حركت العالم العربي بأسره، مع ضرورة البقاء متنبهين. بعد الثورة الفرنسية في العام 1789 وقبل قيام الجمهورية الفرنسية مرت البلاد بأوقات عصيبة وسوداء وتم تعليق المشانق، لا أريد القول إن ذلك سيحصل، لكن ينبغي البقاء متيقظين وربط الأفكار الموجودة لدى بعض الأحزاب بالسياسة. بالنسبة الى ليبيا، فهي في طور البحث عن ذاتها ويجب النظر الى كلّ حالة على حدة. بالنسبة الى حقوق الأقليات والمسيحيين، فقد أصدرنا قوانين عدة عن حقوقهم، وكما وضعنا حقوق النساء شرطاً للتعاون مع البلدان، فإننا نضع أيضاً حقوق الأقليات وحق المعتقد والدين شرطاً أساسياً لأي شراكة مستقبلية مع أي نظام جديد. فالتسامح الكلي مطلوب وهو كان موجوداً في سوريا، وأتمنى أن يستمر مع اي نظام جديد قد يتكون وسنناضل لكي يحترم أي نظام جديد في سوريا حقوق الأقليات. 

السابق
لعبة المشنقة في ميزان العدالة
التالي
زيادة الضرائب على المنتجات التبغية