كما حنّا كما حنين!

لا شيء على الاطلاق يمكن ان يقلّل من شناعة التعامل مع العدو. لا الاصطفاف المذهبي، أو المتاجرة بالطائفية وبحقوق مهدورة لطائفة، ولا موقف سياسي بالمجمل معاد لاسرائيل يمكنه ان يبرّر لشخص تعامله حين تعامل. المدان بالتعامل هو عميل، مع وقفة كاملة من بعد هذه العبارة. اذا لم تكن هناك ثقة بالقضاء فليتم الانقلاب على الدولة كاملة. أما تبرئة المدان فمستحيلة، وانعدام الثقة بالقضاء يمكن أن تكون من حيث خفضه لعقوبة التعامل.
العميد المتقاعد فايز كرم مدان بجرم التعامل مع العدو الاسرائيلي، فما هي الاسباب التخفيفية؟

انتماؤه الى التيار الوطني الحر واحتلاله منصباً قيادياً في التيار يفترض ان يضاعف من الموقف منه. موقعه السابق في الجيش اللبناني ايضاً يفترض ان يضاعف العقوبة، لا ان يخفضها، وإلا لأمكن أي ضابط في الجيش ان يبيع ما يملك من معلومات عسكرية، وأن يتعامل مع العدو ويجمع لمصلحة العدو كل المعلومات المتوافرة ويجري الدراسات الامنية لمصلحته مقابل حفنة من الدولارات، شأنه كشأن فايز كرم، ويقبع في السجن لعام ونيف ثم يخرج ليلقى استقبالاً سياسياً، ويبدأ مسيرته السياسية ربما كنائب او كمرشح لقيادة تيار سياسي او كمتسابق على كرسي الوزارة.

العميل هو العميل، وأضرار التعامل المعنوية أكبر من المادية، وتلك المادية لا يمكن ان تغتفر. والتيار الوطني الحر أكبر المتضررين من وجود عميل في صفوفه، والعماد ميشال عون سبق ان تحدث عن يهوذا الذي خان المسيح وباعه بثلاثين من الفضة، وتحديداً في مثل هذا اليوم الذي يطلق فيه كرم من السجن كان يهوذا يقر بالخيانة، فما مبرر استقبال يهوذا بالاحضان بدل تركه لتبكيت ضميره ومصيره المحتوم، اذا ما كان بقي لديه من ضمير بعد الخيانة.

يمكن رد كل ما وصلنا اليه الى السياسة بشكلها الفج، او قل التافه والمباشر: هل المطلوب كسب تأييد المسيحيين بأي طريقة وعلى حساب اي شيء وكل شيء؟ وهل المطلوب الانتصار في انتخابات نيابية مقبلة، واثبات ان التيار الوطني الحر يمثل المسيحيين، او الشريحة الاكبر منهم، ولو ادى ذلك الى بيع كل شيء وممارسة كل الفظائع، والقبول بكل فساد اداري ومالي لمجرد ان من يمارسه هو وزير في التيار الوطني الحر ولديه مستقبل انتخابي، او ان من قام بفعل الخيانة الوطنية هو قيادي في التيار الوطني الحر، وبالتالي فإن طريقة معاندة الوقائع والاصرار على ان ما حصل تشفّ سياسي هو السبيل الوحيد لكسب المزيد من الجمهور.

قبل ان يصل التيار الوطني الحر الى هنا كان حزب الله قد مهد السبيل له. موافقة حزب الله والمقاومة على التعامل بلين مع العملاء، تحت مسمى التعايش الوطني، كانت هي التوطئة الطبيعية للوصول الى ان تكون عقوبة الخيانة استقبالاً عائلياً في منزل زعيم التيار الوطني الحر، بدل النبذ.
يمكن ان نجادل طويلاً في ممارسة حزب الله والمقاومة، الرحيمة والمترفعة، تجاه من خانوا البلاد، وتحت شعارات ان الدولة هجرتهم ــ كأنها لم تهجر غيرهم ــ وان التعامل كان الخيار الوحيد حتى لا يموتوا من الجوع والفقر ــ وكأن بقية المناطق اللبنانية نعمت برخاء هارون الرشيد ــ وان الواجب التعامل مع هؤلاء، ولأن جزءاً صغيراً منهم مسيحيون، برفق ولين وتركهم ليواجهوا القضاء، مع معرفة مسبقة بأن القضاء سيخفف احكامهم، ويطلق سراحهم لاحقاً ليعودوا الى منازلهم كأن شيئا لم يكن، وكأن دماء لم تسل، وعدواً لم يحتل البلد ويدمره على عدة دفعات.

ويمكن ان نجادل طويلاً في ان تسمية اللاجئين اللبنانيين في اسرائيل باسم «قضية انسانية» وبيعها الى التيار الوطني الحر في تفاهم التيار وحزب الله كان خطيئة، ولا تزال مفاعيلها قائمة الى اليوم، وعلى اساس هذه الخطيئة لم نسمع من حزب الله كلمة حول التعامل بين ذوي القربى والحلفاء وأبناء الموقف السياسي الواحد.
إلا ان من يغض الطرف عن سرقة المال العام، ويوافق على تبرير سرقة المليارات من الدولارات من جيوب اللبنانيين ومن عرقهم وأراضيهم، ومن يدع شعبه يعيش في الظلام، ويترك اقاربه يستوردون الادوية والطعام الفاسد، ويمارس اقصى درجات الكذب والديماغوجية للحصول على مقاعده النيابية، والصامت عن كل هؤلاء يشبهون تماماً من خرج للتو من السجن، ولكن من سلف صدف انهم اركان النظام وجزء اساسي في آلية حركته، وهو ما يدفعهم الى فهم فايز كرم وتفهم عمالته. فكما حنا كما حنين.

السابق
ملك سوازيلاند يريد أبقاراً
التالي
تسريب فيلم إباحي لتشارليز ثيرون