الدين و الفكر الديني… اين القداسة؟

عند تناول اي موضوع متصل بالدين , اوبعبارة أخرى , اذا اردت ان تعرف ان موضوعا ما متنازعا عليه دينيا , هل يخالف الدين ام يوافقه ؟ هل يتعارض مع الدين وبالتالي لا يؤخذ به او لا يتعارض مع الدين فيؤخذ به ويُعمل به وخاصة في الاجتماع الاسلامي , لان المجتمعات الاسلامية حريصة على تطبيق ما انزل الله حيث قال الله " ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون …الفاسقون …الظالمون …الخ "مثلا على ذلك " موضوع الدولة المدنية ورأي الدين منها ", وهذا الموضوع وأمثاله من الموضوعات المعاصرة ( السلطة , الحكم , المواطنة , الوطن , المواطن , الحقوق الواجبات , السلام , التعدد , التنوع , التسامح , الخ …)لا بد أولا من التمييز بين الدين وبين الفكر الديني , لان هذا التمييز مهمته صحة الرجوع في عرض الموضوع الاشكالي , اذ ان مخالفة الدين شيئ , ومخالفة الفكر الديني شيئ آخر , لان هناك فرق بين الدين وبين الفكر الديني , حيث ان الاول أي الدين هو نص مقدس منزل من الله للناس بواسطة الوحي على الرسول "ص", وهذا النص الذي هو الدين متمثلا بالقرآن الكريم وهو قطعي الصدور اي انه صدر عن الله بشكل مؤكد وهذا عليه إجماع المسلمين , اما دلالة هذا النص فهي ظنية بإجماع المسلمين ايضا , ويعتبر كلام النبي "ص" المباشر الواصل الينا بطرق صحيحة نصا مقدسا أذ ان النبي "ص"( لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ) أما "الفكر الديني " فهو مجموعة القراءات البشرية للدين وما فُهم من هذه القراءات للنص الديني المقدس المتمثل بالنص القرآني وسنة النبي "ص" الصحيحة . وهذه القراءات من قبل البشر وأبرزهم الفقهاء , هي التي شكلت وتشكّل من خلالها الفكر الديني اذ انه لا يرقى الى مستوى المقدس الثابت على الحق الذي لا يخطئ لانه انتاج بشري غير مقدس فهو خاضع للصحة والفساد بل قد يصيب الواقع الذي اراده الله وقد يخطئ الواقع , اي ان الفهم البشري للدين قد يطابق الدين وقد لا يطابق الدين , فالفكر الديني ليس هو المعيار في الرجوع اليه لقياس الموضوعات المعاصرة عليه , بل المعيار في الرجوع هو الدين اي النص الاول الذي انزله الله وليس النص الثاني الذي تشكل من خلال قراءة النص الاول , من هنا يظهر لك بوضوح اشكالية المقدس السائد بين المسلمين , حيث اعطى المسلمون صفة المقدس للفكر الديني من دون وجه حق , وخلطوا بين النص الاول المقدس والنص الثاني اللامقدس , وباتوا يتعاملون مع الفكرالديني كما يتعاملون مع الدين .
ان اهمية هذا التمييز بين الدين المقدس وبين الفكر الديني اللامقدس هو امكانية تجاوز السائد الديني والتحرر من البشري للتواصل المباشر مع المقدس , حيث يمكننا بعد تجاوز الفكر الديني السائد , العودة الى الدين كمادة اولى وقراءتها واستنطاقها من جديد على ضوء الفكر المعاصر بهدف انتاج فكر ديني جديد صالح لزمانه ومكانه .
السيد ياسر ابراهيم

السابق
تلوّث كبير يطاول بحيرة القرعون
التالي
في ظل الفساد..أين الضمير؟