من عتمة التيار إلى عبد الحليم أنان

مع تصاعد موجة العنف في سوريا، تتزايد مخاوف اللبنانيين من تطورات الأحداث السورية، وتداعياتها على الوضع اللبناني من جهة، فضلاً عن انعكاساتها المدمرة على سوريا وتماسك نسيجها الاجتماعي والوطني، من جهة ثانية.
مخاوف اللبنانيين الذين اكتووا بنيران الحرب الأهلية، تبقى مشروعة ومبرّرة، وهم يتابعون، يوماً بيوم، مسار المواجهات الدموية التي تدفع بالأزمة المحتدمة بين النظام والمعارضة انحداراً نحو حرب أهلية مدمرة، وقودها أجهزة النظام وأنصار الثورة الشعبية على السواء، وأسباب تجدد الصراع الدولي على سوريا على إيقاع عاصفة الربيع السياسي التي تجتاح أكثر من بلد عربي.
وجاء كلام الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف اثر استقباله المبعوث الأممي – العربي للأزمة السورية كوفي أنان، والذي اعتبر فيه أن مهمة أنان هي الفرصة الأخيرة قبل الانزلاق إلى «حرب أهلية طويلة» في سوريا، ليعزز مخاوف اللبنانيين، ومعهم العرب أجمعين، من مخاطر سقوط دولة عربية محورية في أتون حرب داخلية، بسبب عدم تلبية النظام للمطالب الشعبية في الحرية والديمقراطية، والتي سبق للرئيس بشار الأسد نفسه أن اعترف بأحقيتها في أكثر من خطاب.
ويبدو أن موجة التفاؤل التي سادت الأوساط المعنية بالأزمة السورية، إثر تكليف الأمين العام السابق للأمم المتحدة بمهمة التوصّل إلى حل سياسي للمأزق السوري، كانت أشبه بسحابة صيف، سرعان ما اختفت اثر التصعيد العسكري العنيف الذي لجأ إليه النظام في اقتحام المناطق والمدن والقرى التي أيّدت الثورة، وأغلقت أبوابها في وجه أجهزة النظام.

لم تستطع محادثات أنان في دمشق زحزحة عناد القيادة السورية عن اعتماد الحل الأمني والدموي، والعمل على إنجاح المساعي السياسية، التي تحفظ لسوريا أمنها واستقرارها، ووحدة نسيجها الاجتماعي، وتفسح المجال أمام صيغة سياسية مشابهة لاتفاق الطائف اللبناني، تساعد على تأمين انتقال سلس للسلطة، بعد التوافق على الإصلاحات السياسية والدستورية المنشودة.
وفشل أنان في إيصال مهمته إلى الشاطئ السياسي، من شأنه أن يضع الأزمة السورية أمام سيناريوهات دراماتيكية، تُعيد إلى الأذهان بدايات الحرب اللبنانية، ومراحلها المختلفة، والتي انتهت بتحويل ما عُرف يومها بـ «المبادرة السورية» إلى تدخل سوري مباشر أدى إلى إدارة دمشق لملف الأزمة اللبنانية في سنوات الحرب، كما في سنوات السلم، إلى أن كان الخروج السوري المدوّي من لبنان إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.
وبين اللبنانيين من يُشبّه مهمة أنان اليوم في سوريا، بمهام الوساطة الأولى التي قام بها الموفد السوري يومذاك عبدالحليم خدام وفريقه، بين الأفرقاء اللبنانيين والفلسطينيين، والتي سرعان ما تحوّلت إلى انحياز سوري واضح ضد النظام وحلفائه، قبل أن تتقلب بين مواقع المتحاربين، وتصل إلى حدّ فرض الهيمنة السورية الأمنية والسياسية على كل الأطراف اللبنانية.
فهل تتحوّل مهمة أنان من السعي إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة المتفاقمة في سوريا، إلى إدارة أممية – عربية مشتركة لصراع دموي مرير يُصدّع سوريا دولة وشعبا ومؤسسات… ويصح عندها إطلاق اسم عبدالحليم أنان… على الأمين العام السابق للأمم المتحدة؟!.
ألا يُعتبر كلام الرئيس الروسي ميدفيديف بمثابة جرس الإنذار الأخير قبل سقوط سوريا في هاوية الحروب الداخلية؟.

وبانتظار جلاء مهمة «عبدالحليم أنان» من الغموض والضغوطات المحيطة بها داخلياً ودولياً، يبقى الوضع اللبناني أسير هواجس التداعيات السلبية للأزمة السورية، في ظل حكومة لا همّ لبعض أطرافها سوى عقد الصفقات المشبوهة، استعداداً لتمويل انتخابات السنة المقبلة، وتكديس مغانم السلطة التي قد لا تكون متاحة لهم بعد فرط عقد الأكثرية المفبركة، واستدراك النائب وليد جنبلاط لمواقفه، والتي أعادت بعض التوازن الى المعادلة الداخلية.
وفيما يحاول رئيس الحكومة مراكمة أرباحه السياسية والشعبية، عبر سلسلة من المواقف التي تحظى بعطف جمهوره، وتفهم الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، يبدو شركاؤه في الحكومة وكأنهم اضاعوا البوصلة الشعبية، وتراجعوا في مسار تقهقري لرصيدهم السياسي والمدني، بسبب وضع شهوة المال والسلطة فوق أي اعتبار وطني، أو أية مصلحة للبلد، ولا أي حساب لهيبة الدولة ومصداقيتها.
وإذا أخذنا ملف خطة الكهرباء نموذجاً، وما تكشّف عنه مشروع استئجار بواخر الكهرباء من شوائب وسوء إدارة، فضلاً عن عدم الإلمام اللازم بالمسألة من مختلف جوانبها، لتبين لنا، وبكل بساطة، أن الدولة ومصالح البلاد والعباد في واد، وحسابات بعض الوزراء وعقولهم ومصالحهم في واد آخر… بعيد ألف سنة ضوئية عن البلد والناس، الذين كلما حلموا بعودة التيار الكهربائي زادت عتمة التيار ظلاماً على آمالهم وأحلامهم!.
لا نريد أن نخوض بالأسماء والتسميات..!.

ونكتفي بأن نطلب من مدراء المدارس في لبنان أن يطرحوا على طلابهم، حتى أبناء المرحلة الابتدائية، أن يحلوا حسابات مسألة الكهرباء على ضوء الخيارين المطروحين:
1 – استئجار بواخر تنتج التيار الكهربائي بطاقة قد تصل إلى 230 ميغاوات (باخرتا إنتاج كل واحدة 180 ميغاوات ينقص منها عشرة بالمائة الهدر المحسوب في عمليات النقل والتحويل والتوزيع)، مقابل 450 مليون دولار، عدا كلفة تشغيل وفيول التي تضاهي هذا المبلغ على مدى خمس سنوات، يضاف كلفة إعادة تأهيل معملي الذوق والجية بكلفة لا تقل عن نصف مليار دولار أيضاً، تُعاد البواخر بعدها إلى أصحابها.
2 – تركيب مولدات جديدة وحديثة وذات تقنية عالية من أكبر شركة عالمية متخصصة في هذه الصناعة، وبقوة 500 ميغاوات بكلفة تصل إلى حوالى 450 مليون دولار. المولدات جاهزة للتسليم فوراً. والتركيب يستغرق عشرة أشهر فقط، والعمر المتوسطي لهذه المولدات هو 25 سنة، وفي حال توفّر الصيانة اللازمة تصل صلاحية إنتاجها إلى 35 سنة على الأقل!.
وإذا حزمت الدولة أمرها وقررت تركيب أربع محطات من هذه المجموعات توفّر 2000 ميغاوات (تحقق الاكتفاء الكامل مع المحطات الحالية) بكلفة تقل عن ملياري دولار، وهو رقم العجز السنوي الذي تتحمله الخزينة ويدفعه المواطن اللبناني من جيبه لتغطية عمليات النهب والهدر وسوء الإدارة الحاصلة في ملف الكهرباء.
هل يستمر بعض الوزراء المدللين بالتجرؤ على حسابات العقل والمنطق… وعلى مصالح البلاد والعباد!!.

السابق
دوبلير چنيفر لوپيز.. رجل!
التالي
كتاب مفتوح إلى القمة العربية