لماذا ترييح حزب الله؟

إنّ "الحرص" الذي يبديه "حزب الله" على الاستقرار و"النأي" بلبنان عن الأحداث السوريّة ليس نابعاً بالتأكيد من حسّه الوطني أو أولويته اللبنانية، إنّما يرتبط حصراً بمصلحته الذاتية في استبعاد أيّ توتّر يعرّض وجوده للخطر في لحظة تحوّلات كبرى بدأت مع خروج حركة "حماس" من المحور الإيراني ودخول النظام السوري في نفق مظلم، وارتفاع منسوب الحملة الأميركيّة-الإسرائيلية على إيران، وبالتالي سياسة التهدئة التي ينتهجها الحزب مردّها فقط إلى خشيته من "توريطه" أو "جرّه" إلى مواجهة غير محسوبة أو "مطلوبة" للإطاحة برأسه.

وتبعاً لذلك، فإنّ مقولة تحوّل "حزب الله" إلى قوّة استقرار لا يفترض التوقّف عندها كونها مجرّد "مزحة ثقيلة" أو "تَذاكياً" على الطريقة اللبنانية التي لم يأخذ منها الحزب سوى الجوانب السيّئة التي تعزّز مشروعه غير اللبنانيّ، لأنّ الحزب كان وسيبقى قوّة عدم استقرار إلى حين تسليم سلاحه إلى الدولة، هذا السلاح الذي يهدّد الاستقرار اللبناني من بوّابتي الجنوب والعيش المشترك بين اللبنانيّين.

ولكن في الوقت الذي تبقى فيه أنظار اللبنانيّين مشدودة إلى الحدث السوريّ من زاوية انعكاسه على التوازنات اللبنانية ومعادلة المنطقة برُمّتها، قال أحد حلفاء النظام السوري و"حزب الله"، المبدئيّين وليس الانتهازيّين، في جلسة خاصة: "فلنضع التخمينات حيال سقوط النظام السوري أو عدمه جانباً، لأنّه في الوقت الذي نؤكّد فيه استمرار النظام تؤكّد 14 آذار زواله، وبالتالي من الأجدى القفز فوق هذه النقطة إلى المؤدّيات التي تصبو إلى تحقيقها هذه القوى ومفادها، وفق أدبياتها، أنّ سقوط الرئيس السوري يعني سقوط منظومته في لبنان وفي طليعتها "حزب الله".

وتابع: "رهان 14 آذار ليس في محلّه، وذلك للأسباب الأربعة الآتية:

أوّلاً، لقد أثبتت التجربة السوريّة أنّه رغم المؤامرة المحاكة على النظام السوري لم نرَ الولايات المتّحدة وغيرها من الدول ترسل جيوشها لإسقاط هذا النظام، وبالتالي ما يسري على سوريا ينسحب على "حزب الله"، بمعنى أنّ المجتمع الدولي ليس بوارد استخدام القوّة ضدّ الحزب، لا بل إنّه في أوج قوّة هذا المجتمع، أي في الزمن البوشي وغضّ النظر الروسي، دعا إلى حلّ مسألة السلاح عبر الحوار، ولذلك لن تتجاوز المسألة الدعوات المكرّرة أو البيانات التذكيريّة…

ثانياً، ليس في قدرة 14 آذار نزع سلاح الحزب بالقوّة، ولا أعتقد بأنّ هذا السيناريو مطروح اليوم كونه بعيداً عن الواقع وغير قابل للتحقق.

ثالثاً، كلّ الإحصاءات تؤكّد عدم قدرة 8 و14 آذار في آن معاً على تحقيق فوز ساحق في الانتخابات النيابية المقبلة، الأمر الذي سيفقد المعارضة أداة السلطة التي كانت تتمتّع بها بين عامي 2005 و2011، فضلاً عن توقّع استمرار النائب وليد جنبلاط في موقفه المتأرجح والذي يشكّل حاجة للطرفين ويمنعهما من ممارسة الحكم. ولكن حتى لو تمكّنت 14 آذار من الفوز بالسلطة، لن يكون باستطاعتها أن تحكم البلد".

رابعاً، لو سلّمنا جدلاً بسقوط النظام السوري، على رغم كلّ الوقائع التي تؤكّد خلاف ذلك، فإنّ الوضع الناشئ في سوريا سيكون في أحسن أحواله شبيهاً للنموذج المصريّ، أي فاقد الدور والتأثير، وفي حاجة للتطبيع مع كلّ القوى من كلّ الاتّجاهات لحماية وضعه الهَش.

ويختم السياسي الحليف للمحور الإيراني-السوري بالقول: "على قوى 14 آذار أن تعيد حساباتها وتسقط رهاناتها، لأنّ قوّة "حزب الله" نابعة من ذاته، وليس من وضع خارجيّ لا شكّ أنّه يساهم في تعزيز دوره، ولكنّه لا يشكّل أساس هذا الدور".

وإذا كان ما تقدّم صحيحاً، غير أنّه لا يختصر كلّ الصورة السياسية، لأنّ السقوط الحتميّ للأسد سيشكّل "ضربة" معنويّة" للحزب بالدرجة الأولى، كما أنّه لا يجوز تجاهل جملة من الحقائق والوقائع أبرزها: الصعود الإسلامي في المنطقة، انحسار التمدد الإيراني، نهاية الدور الإقليمي للحزب الذي سيصبح مطوّقاً بين واقعين خارجيّين عدائيّين فسلطيني وسوري، فضلاً عن واقع داخليّ عدائي، بروز ديناميّة عربية جديدة، إشتداد اللهجة الدولية… كلّ هذه العناصر وغيرها تشكّل معطيات استراتيجية جديدة، وهي كافية وحدها لجعل الحزب يبادر من تلقاء نفسه إلى تسوية داخلية تحميه بعد خسارته كلّ أوراقه التي تشكّل ضمانته…

ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه أخيراً: هل تشكّل الذكرى السابعة لانتفاضة الاستقلال مناسبة لاستعادة قوى 14 آذار المبادرة السياسيّة في الهجوم على "حزب الله" من باب الحكومة والبرلمان والسلاح وحتى الشارع لحشره وإرباكه وجرّه إلى تسوية أو مواجهة تؤدّي في كلا الحالين إلى نهاية مشروعه؟… وأمّا خلاف ذلك فيصبّ في خانة ترييح الحزب وخدمة أهدافه.

السابق
فضيحة الغذاء الفاسد تتوالى فصولاً
التالي
رسالة الجيش.. وصلت