هيغ: نحتاج إلى سلام لارسال قوة

مرة أخرى يشدد الأوروبيون عقوباتهم على النظام السوري. لم يكن ذلك الإجراء الملموس الوحيد الذي اتخذه وزراء خارجية الاتحاد، خلال اجتماعهم في بروكسل أمس، فهم اجمعوا على اعتبار أن «المجلس الوطني السوري» هو «ممثل شرعي للسوريين الساعين لتغيير ديموقراطي سلمي».
لم يقولوا أنه «الممثل» ولا «الوحيد»، بل تركوا التمثيل مرتبطا بسلمية التغيير المنشود وديموقراطيته، فهم أيضا لم يتجاهلوا وجود معارضة أخرى، ودعوا الجميع إلى تشكيل «آلية تنسيق تمثيلية» للاتفاق على «مبادئ مشتركة» للانتقال السلمي. في المقابل، رفض الأوروبيون بشدة استخدام الخيار العسكري للتدخل في سوريا، وتحفظوا على إرسال قوة لحفظ السلام.

وتبنى الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة شملت تجميد أصول وحظر سفر بحق سبعة وزراء في الحكومة السورية. وجمد الأصول العائدة للبنك المركزي السوري، وحظر أي تعامل معه، مع الأخذ في الاعتبار ألا يمنع الحظر عمليات التجارة الشرعية. عمليات الشحن الجوي ستكون محظورة أيضا، من سوريا واليها، وستمنع طائرات الشحن السورية من الهبوط في المطارات الأوروبية، وذلك باستثناء الطائرات التي تقل أيضا مسافرين. إضافة إلى ذلك، تم منع أي تجارة بالذهب والمعادن الثمينة مع الهيئات الرسمية السورية.

لكن استعصاء الأزمة أصبح واضحا في كلام الأوروبيين، ولا يبدو أن طرح جامعة الدول العربية لإرسال قوة حفظ سلام يثير حماسهم.
وردا على سؤال لـ «السفير» حول هذا الأمر، قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ «صحيح أن الجامعة العربية قد طرحت بعض الأفكار حول قوة حفظ السلام، ولكن بطبيعة الحال، ليكون هذا فعالا بشكل صحيح، يجب أن يكون هناك سلام للحفاظ عليه». وأضاف «في الوقت الراهن ليس لدينا ذلك، ولهذا نحتاج إلى وقف أعمال العنف من قبل النظام ضد المدنيين لكي يكون أي شيء من هذا القبيل فعالا».  وحول موقف وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل، قبل أيام في تونس، واعتباره تسليح المعارضة «فكرة ممتازة»، يرى هيغ في حديثه لـنا أنه «لدينا في الاتحاد الأوروبي فرض لحظر الأسلحة على كامل سوريا. من الواضح أننا لن نتجاوز ذلك، ولكن نحن، في بريطانيا، نقوم بتكثيف اتصالاتنا مع المعارضة السورية».
وهنا يشير وزير الخارجية البريطاني إلى مساعدات أخرى تقدمها بلاده للمعارضة. وقال «التقيت بالمجلس السوري الوطني يوم الجمعة (الماضي) وقدمت لهم مساعدات إضافية، وعونا سلميا لعملهم، كما سنفعل مع جماعات معارضة أخرى في سوريا. لذلك سنستمر في تكثيف اتصالاتنا معها (المعارضات السورية) ونعتبرها الممثل الشرعي للشعب السوري».
ربما كان الاعتراف بالتمثيل الشرعي للمعارضات السورية هو محصلة مواقف الأوروبيين، لكن هذا الاعتراف كان أكثر تمييزا لمعارضة من دون أخرى في بيانهم الرسمي.

وجاء في البيان الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية، أن الاتحاد الأوروبي «يعترف بالمجلس الوطني السوري باعتباره ممثلا شرعيا للسوريين الساعين إلى تغيير سلمي وديموقراطي». وحث المعارضة السورية على إقامة «آلية تنسيق تمثيلية تحت إشراف الجامعة العربية، والاتفاق على مجموعة مبادئ مشتركة للعمل نحو انتقال سلمي ومنظم في سوريا لتكون ديموقراطية ومستقرة وتضمن حقوق الأقليات، وحيث يتمتع جميع المواطنين بحقوق متساوية بغض النظر عن أعراقهم وانتماءاتهم ومعتقداتهم». وكرر الأوروبيون دعوتهم المعارضة إلى تشكيل «منصة واسعة وشاملة» لعملها.
وقال وزير خارجية السويد كارل بيلدت إنه لا يمكن التعامل مع الأزمة السورية كما حصل في ليبيا، لافتا إلى واقع وجود «أطراف معارضة بينها خلافات معتبرة»، وأيضا وجود «انقسامات في المجتمع السوري يجب أخذها بالاعتبار».
ويلقى خيار التدخل العسكري في سوريا رفضا واضحا من قبل العديد من الدول الأوروبية، وهو ما عكسه وزير خارجية لوكسمبورغ جون أسلبورن، في حديثه لـ«السفير»، إذ قال أنه يرى في إرسال كوفي انان مبعوثا أمميا إلى سوريا «الطريقة الوحيدة للتفاوض حول حوار مع النظام للتوقف فورا عن هذه الأعمال الوحشية». وأضاف «أنا لا أعرف إذا كان ذلك ممكنا حقا، لا أعرف. لكنني أعرف ما هو غير ممكن، وهو التدخل عبر قوات عسكرية».

بالنسبة لأسلبورن فإن الخيار العسكري «ليس خيارا. لأنه، بهذه الطريقة، لن يكون إحصاء عدد القتلى بالآلاف، ولكن بعشرات الآلاف»، مضيفا «كنت ولا أزال أعتقد أن أي تدخل عسكري في سوريا سيؤدي إلى تفاقم الوضع وليس إلى حله».
واللافت في تصريحات وزراء الخارجية، هو أن بعضهم ألمح إلى خلافات في المواقف العربية، حتى أنه تحدث عن ضرورة عدم وجود «أجندات خاصة» تسعى دول عربية لتحقيقها في الأزمة السورية.
وحول ذلك يقول أسلبورن أن إظهار تضامن أوروبي مع الجامعة العربية «كي لا تكون لدى دول في الجامعة العربية أجندات خاصة»، قبل أن يوضح قصده بالقول «يجب حقا أن يكون هناك بين دول الخليج وغيرها من الدول (العربية)، مثل دول شمال أفريقيا، تضامن كبير في دعم كوفي انان، فهو ليس ممثلا للأمم المتحدة فقط، ولكن أيضا ممثلا للجامعة العربية».

وانتقد وزراء خارجية إجراء السلطات السورية استفتاء على دستور جديد. وقال هيغ، الذي عبر عن أمله في العودة إلى مجلس الأمن في الأسابيع المقبلة، إن «فتح صناديق الاقتراع، وتواصل فتح النار على المدنيين هو أمر لا يحظى بأي ثقة في نظر العالم».
وقال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه عند وصوله إلى بروكسل «عندما نرى رئيس البرلمان (السوري) يبتسم وهو يصوت في هذا الاستفتاء، فهذا يدل على أنها مهزلة». وأضاف «انه أمر مشين أن يجري ذلك بينما تتساقط القنابل على حمص ومدن أخرى».
وأكد الأوروبيون أن مسألة تقديم العون الإنساني تمثل محور اهتمامهم الآن، إضافة إلى محاولة الحصول على اتفاق «وقف إطلاق نار» مستمر ومراقبته، كما تقول وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون.
واعتبرت آشتون، ردا على سؤال لـنا، أن الأهم الآن هو «كيفية دعم المنظمات الإنسانية للقيام بعملهم، سواء تم ذلك من خلال وقف القتال، ووقف إطلاق النار بشكل مثالي، وتمكن الناس من الدخول، أو كيفما يمكن القيام بذلك»، لافتة إلى أن أعمال تقديم الإغاثة والعون أمر «أساسي وحاسم، والقضية رقم واحد».
وركزت آشتون على أهمية مهمة نائب الأمين العام للأمم المتحدة والمسؤولة عن القضايا الإنسانية وتنسيق الإغاثة الطارئة فاليري آموس، والتي تزور لبنان بانتظار السماح لها بالدخول إلى سوريا لمحاولة تحديد كيفية إجراء العمل الإنساني. 

السابق
إفشال محاولة لاغتيال بوتين…بعد اتهامه الغرب بالانتهازية ودفاعه عن حقهم بالفيتو؟!
التالي
أسماك القرش