فشلوا… ولم يعتزلوا الغرام

قلّما يحدث أن يموت الإنسان حباً، بل يهرب واحدنا من الحبّ إلى الحبّ. هنا، حكايات أناس عاشوا تجارب فاشلة مع الحبّ. لكنهم، على الرغم من ذلك ما زالوا يعترفون بوجوده، كلّ على طريقته.
«من سوء حظّيَ أَني نجوت مراراً/ من الموت حبّاً/ ومن حُسْن حظّي أني ما زلت هشاً/ لأدخل في التجربةْ!».
محمود درويش، «لاعب النرد».
لم يعد الحبّ، في حالته المجرّدة، مستساغاً للكثيرات، ومنهن نسرين (29 عاماً)، التي ترى في الحب حالة مؤقتة. تستند في ذلك إلى قصة حبّها لأستاذها في المدرسة وكانت بعد مراهقة. تماماً كحال الشبان الذين كانت تتعرف إليهم في القرية أثناء إجازة الصيف. تشتعل مشاعرها ثم تخبو ما إن تعود الى المدينة. لذلك تجزم بأن مشاعرها سوف تذوي تجاه من ستحبه، لأن الاهتمام يتحول مع الوقت إلى نواح أخرى، غير الشخص وحده. في رأيها «المشاعر المجردة من أيّ مصلحة مشتركة تحوّل العلاقات على نحو عام، وخاصة الزوجية منها إلى روتين يومي مملّ، حتى يحدث الطلاق أو الخيانة».

هذا على الأقل ما اختبرته بنفسها. فقد أحبّت مرة واثنتين وثلاث مرات، لكن لم يحصل الارتباط، الذي يبدو أنه مقياسها لتحديد درجة الحب ونوعيته. تعيد السبب إلى أنه على الحب أن يقترن بالواقع، وإلا فإن بإمكان كل الناس أن يتبادلوا الحبّ. «من أحببته تزوج بصبية تناسبه اجتماعياً، لكنه يلحّ على التواصل معي. لا يحبني ويريد التواصل لأنه يجد حاجته معي، في وقت يردّ سبب اقترانه بزوجته إلى الحبّ ويخونها، وهذا يعني أن الحبّ وحده لا يكفي لاستمرار العلاقة بين رجل وامرأة. المصلحة وحدها هي ما يبقي العلاقة بين اثنين». لذلك باتت نسرين تضع شروطاً ترى أنه يجب توافرها في الشخص الذي سوف تحبّه. فهي ستحب من «يتناغم معي فكرياً، يهتم بي ضعف اهتمامي به، ويقف إلى جانبي. لن أكرر أغلاط الماضي».

بعيداً عن المصلحة، فإن الحبّ في رأي سمر (23 عاماً) «إحساس موجود، لكنه ليس مضموناً البتة». فالاعتماد على الحب لبناء السعادة والمستقبل، أقرب الى الجلوس فوق قنبلة موقوتة. «يعني مثلاً تكون في علاقة مع أحدهم. تنام وأنت تحلم بالارتباط به. ثم تستيقظ في اليوم التالي لتكتشف أنه خانك»، لكن ما هو سبب خيانته؟ «عبالو يغيّر ع ضرسو»، أو أنه، وهذا السبب الأقرب الى الحقيقة «لا أستطيع أن أعطيه اللي بدو إياه، أي الجنس بحسب ما صارحني» تجيب. لذلك صارت تفضل عدم الدخول في التجربة، إلا أنها تقرّ بأنها لحظة تشعر بتلك الارتعاشة المفاجئة التي تقتنع معها بأنها واقعة في الحبّ، ستتشبث بها. «سأبذل قصارى جهدي كي لا أضيّعها».
سما (24 عاماً) حسمت قرارها: الاعتكاف. وجه الفتاة وشعرها كما ظهرا في لوحة وضعتها صورة على صفحتها على موقع فايسبوك، رسمت كلّها بريشة رقيقة، إلا علامة X حمراء فاقعة استقرت فوق القلب مباشرة. تعيد قرارها إلى جملة أسباب. فهي كبرت في جوّ مليء بالصراخ والبكاء. والداها اللذان اقترنا بعد حبّ ينامان متباعدين. يتكلم واحدهما بالسيئات عن الآخر في غيابه. انتابها شعور بأن الحب يموت، وله قدرة على التدمير أيضاً. عاشت الصغيرة فصول أخواتها مع الحب، لتراهنّ ينكسرن ويبكين. لم يطل الوقت حتى انكسرت وبكت هي الأخرى. «أول حبّ، كنت على استعداد لأحارب الدنيا كرمى لعينيه، تبخر بعد ثلاث سنوات» حين جاءها قائلاً «ما بقى عم حس شي». هكذا ببساطة. «حمل حالو وفلّ!». لم يختلف الحب الثاني كثيراً. فقد أتاها صاحبه «مكرسحاً» بعد خيانة حبيبته له. «كان يريد فتاة تحتضنه لا حباً ينتهي بالزواج كما أوهمني». صارحها بأنها باردة عاطفياً، على الرغم من أنها كانت لا تزال الشخص ذاته الذي ركع أمامه قائلاً: «أتتزوجينني؟». لم تعد تؤمن كثيراً بوجود الحبّ، لكن هذا لا يمنعها من حلم اللقاء بشخص خلوق «لا يلعب بمشاعر البنات».
روجيه (24 عاماً) بدوره جرّب الحب «الفاشل». قبل أن تنتهي علاقته مع فتاته بأيام كان قد بدأ يشعر بدنو نهايتها. «فجأةً تغيّرت صورة بروفايلها على الفايسبوك. لم تعد وحدها، بل وقف إلى جانبها شخص لا أعرفه». إلحاح حبيبته عليه بالسؤال «بتحس إنو رح نقدر نكفي مع بعض دايماً؟ أشعره بالعجز عن الاستقرار. اكتشف لاحقاً أنها تعمدت تبديل صورتها لتوصل رسالتها كما راحت تستخدم صيغة الماضي مراراً في آخر لقاء جمعهما. بعد محاولات اتصال فاشلة، وصلته رسالة من صديقة حبيبته تقول له فيها «بتقلك انساها». مضى عامان وروجيه. يحاول «النأي بقلبه» عن الحبّ، لكنه يعي في قرارة نفسه، أنه لن يصمد طويلاً «أنا بحاجة إنو حبّ».

لا يأتي بعد الزواج

الفشل في الحب ليس أكثر من محطة انتظار للانطلاق من جديد. هذه هي حال نبيلة (27 عاماً). منذ تفتحت عيناها على الضوء، راح قلبها يبحث بفطرته عن الحبّ. «يأتي مع الزواج»، لازمة لكثرة ما سمعتها، صدّقتها. دخلت الجامعة. كانت تقدّم امتحانات الفصل الأخير قبل التخرّج، عندما كشفت لرفاقها أنها منهمكة بتجهيز بيتها. «بدّي انقل (اتزوج) قريباً»، قالت لهم مبتسمة. انهالت التبريكات. لم تلبث في بيت الزوجية غير ثلاثة أشهر لتخرج منه مطلّقة. اكتشفت أنها كانت تعيش كذبة. «أوهمت نفسي بأنني كنت أحبّه في فترة التعارف، على أمل أن يكبر هذا الحب عند الزواج، لكن حصل العكس. لم يستطع زوجي أن يكافئني حتى بإقلاعه عن علاقته القديمة مع النساء. كنت أنا كل شيء ولا شيء في آن واحد. فقررت أن لا أهرق كرامتي أكثر حتى انفصلنا»، لكن الحبّ ما زال موجوداً. الرجال الطيبون ما زالوا هنا. تقول نبيلة إنها مؤمنة بذلك! 

السابق
إيران والحاج: إنه الأسطورة
التالي
ذلك الذي لا اسم له..