النهار: واشنطن ترى الأسد خاسراً وتقفل سفارتها

أقفلت الولايات المتحدة سفارتها في دمشق وعلقت نشاطها الديبلوماسي في سوريا، في خطوة عكست استياءها الشديد من تصعيد الحكومة السورية أعمال العنف ضد المعارضة، وخصوصاً في مدينة حمص المحاصرة، واخفاقها في توفير الحماية الكافية للسفارة وموظفيها على خلفية الفيتو الروسي – الصيني المزدوج في مجلس الامن على اعتماد اجراءات عقابية أقوى ضد النظام السوري، وتعهد واشنطن تكثيف جهودها مع حلفائها في الغرب وفي العالم العربي لإطاحة نظام الرئيس بشار الاسد.
وفور اعلان القرار الاميركي، الذي جاء بعدما غادر السفير فورد وطاقمه سوريا، سارعت بريطانيا الى استدعاء سفيرها من دمشق "للتشاور".

واتخذ القرار الاميركي عشية زيارة سيقوم بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يرافقه رئيس الاستخبارات ميخائيل فرادكوف لدمشق للقاء الرئيس السوري، وفي ظل تصعيد عسكري غير مسبوق في حمص، فضلاً عن اقتحام القوات السورية منتجع الزبداني قرب الحدود اللبنانية. وأفاد ناشطون ان 79 شخصاً قتلوا في انحاء سوريا معظمهم في حمص. (راجع العرب والعالم)

وقالت مصادر اميركية معنية بالشأن السوري لـ"النهار"، انها تتوقع ان تساهم الخطوة الاميركية في زيادة عزلة النظام السوري، خصوصاً ان حكومات أوروبية كانت قد أبلغت واشنطن انها ستحذو حذوها في اي اجراءات ديبلوماسية تتخذها ضد الحكومة السورية. كما جددت واشنطن تحذيرها لرعاياها من السفر الى سوريا، وحضت اولئك الذين لا يزالون فيها على مغادرتها بسرعة. لكن اقفال السفارة لا يرقى الى قطع العلاقات الديبلوماسية مع سوريا، اذ لا تزال لدمشق سفارة مفتوحة في واشنطن يديرها قائم بالاعمال. وطلبت واشنطن من بولونيا ان ترعى مصالحها في دمشق. وسيعود فورد الى واشنطن بعد استراحة قصيرة في أوروبا للقاء زوجته.
واضافت المصادر الاميركية ان وصول مجلس الامن الى طريق مسدود سيفرض على واشنطن وحلفائها العودة الى مراجعة "الخيارات السياسية والاقتصادية والديبلوماسية" للضغط على النظام السوري ودعم المعارضة خارج اطار هذا المجلس.
وجدد الرئيس باراك اوباما في وقت متقدم الاحد مطالبته الرئيس الاسد بالتنحي، مندداً بالعنف غير المبرر ضد المعارضة كما حدث خلال الايام الاخيرة في حمص، لكنه اعتبر ان "الوضع في سوريا لا يسمح بذلك النوع من الحل العسكري الذي رأيناه في الوضع الليبي". وقال في مقابلة مع شبكة "ان بي سي" الاميركية للتلفزيون: "اعتقد انه من المهم جداً ان نحاول حل المشكلة من دون اللجوء الى تدخل عسكري خارجي، واعتقد ان هذا ممكن… وشعوري هو ان هناك عدداً متزايداً من الناس داخل سوريا يدركون ان عليهم قلب الصفحة، ونظام الاسد يشعر بالخناق يضيق عليه. هذه ليست مسألة اذا، بل انها مسألة متى" سيسقط النظام.

ولاحظت المصادر التي تحدثت الينا ان الانشقاقات عن الجيش السوري حديثا شملت عناصر من "الوحدات العسكرية النخبوية الضرورية لحماية النظام" ووصفت ذلك بأنه سابقة مهمة.
وأصدرت وزارة الخارجية بيانا اعلنت فيه تعليق العمليات في السفارة بدمشق ومغادرة جميع الموظفين سوريا، وقالت إن "الزيادة الاخيرة للعنف في سوريا، بما في ذلك التفجيرات في دمشق في 23 كانون الاول و6 كانون الثاني، أثارت قلقنا، لان سفارتنا لا تحظى بحماية كافية من هجوم مسلح، ونقلنا مع غيرنا من البعثات الديبلوماسية هذا القلق الامني الى الحكومة السورية، لكن النظام أخفق في الرد بشكل مناسب". وعن هذه النقطة، قالت المصادر الاميركية لـ"النهار" إن "النظام السوري لا يريد أي شهود عيان على فظائعه".

وأوضحت وزارة الخارجية الاميركية ان السفير فورد غادر دمشق "لكنه لا يزال سفيرا للولايات المتحدة لدى سوريا وشعبها، وسوف يواصل عمله وحواره مع الشعب ممثلا للرئيس ورئيسا لفريق سوريا في واشنطن". وأضافت ان فورد وغيره من المسؤولين الاميركيين سيواصلون اتصالاتهم "مع المعارضة السورية ومتابعة جهودنا لدعم الانتقال السياسي السلمي الذي يسعى اليه الشعب السوري بشجاعة".
وكررت ما قالته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عقب جلسة مجلس الامن الاخيرة من ان واشنطن قلقة جدا "من تصعيد العنف في سوريا، من خلال التحدي السافر للنظام لالتزامه خطة العمل التي وافق عليها مع جامعة الدول العربية. ان الوضع الامني المتدهور والذي ادى الى قرارنا تعليق عملياتنا الديبلوماسية يوضح مرة اخرى خطورة الطريق الذي اختاره النظام، وعدم قدرة هذا النظام على فرض السيطرة الكاملة على سوريا… وهذا يعكس الضرورة الملحة للمجتمع الدولي للتحرك من دون تأخير لدعم الخطة الانتقالية للجامعة العربية قبل ان يجعل تصعيد العنف من النظام الحل السياسي بعيد المنال، الامر الذي سيهدد الامن والاستقرار الاقليميين".

وفي مؤشر لكون الولايات المتحدة ستتحرك خارج نطاق مجلس الامن، قال الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني إن حكومته ستعمل "مع اصدقاء سوريا والشعب السوري لمواصلة الضغط على النظام السوري، وكي نوضح ان أيام الاسد معدودة".
وحين سئل عن تصريحات الرئيس اوباما عن الخيار العسكري قال كارني: "بشكل عام لا نسحب أي خيار عن الطاولة، لكن تركيزنا هو على استخدام الوسائل الديبلوماسية والاقتصادية وغيرها كي نحقق الانتقال الديموقراطي". وبعدما شدد على ان الضغوط على الاسد ستتكثف، لفت الى أن "الموارد المالية" للاسد تنحسر، وهو يفتقر الى ما يحتاج اليه كي يحكم، و"نظامه فقد السيطرة على اجزاء من البلاد، وهناك عدد من المؤشرات لرغبة مسؤولين حكوميين وعسكريين بارزين في النظام في التخلي عنه". وأكد ان مستقبل الاسد "محدود جدا في أفضل الحالات" وحذر من خطأ "الرهان" على الاسد لان الذي يفعل ذلك سيخسر. وأعلن خلال ايجازه الصحافي اليومي ان واشنطن ستركز مع حلفائها على حرمان الاسد "تمويل قمعه، وهذا يشمل التنسيق مع حلفائنا وشركائنا".

وصرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند بأن السفير روبرت فورد اجتمع بوزير الخارجية السوري وليد المعلم لاعلامه رسميا بقرار تعليق عمليات السفارة، وكي يوضح "ضرورة احترام تعهدات سوريا وفقا لمقررات مؤتمر جنيف المتعلقة بحماية ممتلكات السفارات"، ولإعلامه بدور بولونيا. وقالت ان حكومتها قررت تعليق عمليات السفارة "ولم نقطع العلاقات الديبلوماسية وهناك فارق بين الاثنين".
ثم قالت ان الوضع الامني في دمشق ومحيطها "يزداد عنفا ويعكس حقيقة ان النظام يخسر بشكل متزايد السيطرة على الوضع". واشارت الى ان كلينتون ستواصل اتصالاتها مع نظرائها من أجل تشكيل مجموعة "أصدقاء سوريا الديموقراطية" التي تدعم الانتقال الى سلطة جديدة في سوريا وتؤيد خطة الجامعة العربية وتنسق النشاطات حيال سوريا، ولاحتمال توفير خدمات الاغاثة الانسانية اذا دعت الضرورة. أما الهدف فهو "زيادة العقوبات الاقليمية والثنائية على نظام الاسد، والضغط على تلك الدول التي لا تزال تتاجر معه، وتحديدا تلك الدول التي تزوده الاسلحة او تمول آلته الحربية كي توقف دعمها".

وفي نيويورك، أكد الامين العام للأمم المتحدة بان كي – مون أن أعمال العنف التي ترتكب ضد المدنيين في سوريا "غير مقبولة على الاطلاق لدى الانسانية"، منبها الحكومة السورية الى أنها "مسؤولة بموجب القانون الدولي لحقوق الانسان" عن كل أعمال العنف التي ترتكبها قواها الامنية ضد السكان المدنيين.
وفي بيان نادر، ناشد رئيس الجمعية العمومية للأمم المتحدة المندوب القطري السفير ناصر عبد العزيز الناصر مجلس الامن التوصل الى اتفاق في موضوع سوريا داخل المجلس. 

السابق
السفير: أوباما يرى حلاً تفاوضياً … والعربي مستعد لاستئناف مهمة المراقبين لتفادي الحرب الأهلية
التالي
اللواء: لقاء بري – ميقاتي لم يحرّك الأزمة الحكومية من عنق الزجاجة