النهار: ميقاتي في ضيافة المصارف: دعم متبادل لمواجهة الاستحقاقات

عندما قررت مجموعة من المصارف اللبنانية إنشاء فروع لها في سوريا قبل أعوام بعد الانفتاح المصرفي الذي شهدته دمشق والتسهيلات التي قدمتها السلطات النقدية مقابل ذلك، طلب الرئيس بشار الاسد من معاونيه إبراز الايجابيات والسلبيات لمثل هذه الخطوة على النظام المصرفي السوري اليافع، مستطلعاً مدى الاختراق الذي يمكن أن يحدثه دخول مصارف لبنانية تتسم بالقوة والملاءة إلى سوق لا تزال هشة وتخطو أولى خطواتها نحو التحرر. وينقل عن الاسد ذهابه في تساؤلاته أبعد إلى حد الاستيضاح عن الخلفية السياسية لتلك المصارف وهل تنتمي الى قوى 8 أم 14 آذار؟

وعلى رغم تغاضي السلطات السورية عن هذا الجانب نظرا إلى أن الفروع المنشأة وعددها 7 تضم الى جانب المساهمين اللبنانيين ( ومن بينهم مرجع سياسي كبير في 14 آذار) شركاء سوريين ولا يجوز للمساهمين اللبنانيين أن تتعدى حصتهم 49 في المئة، وبالتالي فان القرار يبقى في اليد السورية، كانت تأكيدات من السلطات هناك أن الوجود المصرفي اللبناني يعزز القطاع السوري لما له من خبرات يمكن ان يفيد منها السوريون العاملون في تلك الفروع.ومنذ تفاقم الأزمة في سوريا وتنامي العقوبات الدولية على النظام ولا سيما منها المالية والاقتصادية، وُضعت المصارف اللبنانية تحت المجهر الدولي من باب المخاوف من اي تفلت سوري تشكله الرئة اللبنانية. الا أن هذه المخاوف تجاوزت حدودها لتقارب ما يشبه الحملة ولا سيما في الاعلام الغربي والاميركي تحديدا على القطاع المصرفي ليبدأ بطرح علامات استفهام حول خلفية تلك الحملة وخصوصا انها تناقض أمرين: الاول سياسة التفهم الاميركية لخصوصية لبنان في موقعه الجغرافي على الحدود السورية والنصائح التي تتلقاها قيادات سياسية بضرورة توخي الحذر وتجنب كل ما يمكن أن يعرض لبنان لارتدادات الوضع السوري والحفاظ على مناعة الاقتصاد ومقومات صموده، وما تتعرض له المصارف من الجانب الاميركي لا يصب إطلاقاً في هذا الاتجاه، والثاني أن القطاع المصرفي ومنذ تفجر أزمة البنك اللبناني الكندي يمارس أقصى درجات اليقظة والحذر ويتقيد تقيداً تاماً بالاجراءات الاميركية المفروضة على التعاملات (ولا تقتصر على لبنان بل تشمل كل الدول بما فيها دول المنطقة). وذهبت المصارف التي تملك فروعا في سوريا الى ابعد اذ أوقفت كل تعاملاتها واقتصرت عملياتها على العمليات اليومية الروتينية البسيطة.

والواقع ان الاهتمام الاميركي لا ينصب على المصارف اللبنانية في ذاتها بقدر ما يتعلق بالتركيز على ضرب القنوات المالية التي يستخدمها "حزب الله" بهدف ضرب "الارهاب المالي" الذي يشكله الحزب، فضلا عن توجيه ضربة الى النظامين السوري والايراني على السواء. ويعتقد أن ثمة مصارف لبنانية تشكل تلك القنوات ويجب الحفاظ على وتيرة الضغط على القطاع من أجل ابقائه متيقظا ومتيقنا من أن ثمة من يراقب ويحاسب. وكانت آخر تلك الحملات وردت في مجلة "فورين بوليسي" الاميركية قبل نحو اسبوع والتي بنت معادلة أن ضرب "حزب الله" وحلفائه يتوقف على ضرب مصارف لبنانية، من دون أن تعي مخاطر مثل هذه المعادلة ومحاذيرها على قطاع يشكل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني!
لكن الحملة الخارجية لم تعد تقلق الوسط المصرفي الداخلي المقتنع بأن لديه من المناعة ما يكفي لإحباط تلك الحملة دونما الرد عليها. وما زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى مقر جمعية المصارف إلا لابداء الدعم الحكومي لهذا القطاع وتأكيد متانته وسلامته.

فعندما قرر مجلس ادارة الجمعية سداد حصة لبنان من تمويل المحكمة الدولية، وجه ميقاتي الدعوة الى اعضاء المجلس لمأدبة غداء لشكرهم على مبادرتهم، لكن المجلس ارتأى أن يستضيف رئيس الحكومة في لفتة تجعل التكريم مضاعفا. وهكذا كان. اذ شكلت المناسبة منبرا لميقاتي لتوجيه اشارتين قويتين الى مجتمع المال والاعمال والداخل والخارج في ظل الظروف السياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم: أولاها الاضاءة على عاملي القوة اللذين يتمتع بهما لبنان: رقمان قياسيان في احتياط القطع الاجنبي كما في السيولة. اما الاشارة الثانية فتتمثل بطمأنة القطاع حيال ما يشاع عن عقوبات قد تطاول مصارف لبنانية لها فروع في سوريا ونفي هذا الكلام الذي لا يستند الى واقع.
لكن ما لم يقله ميقاتي علناً، تداوله في اللقاء المقفل مع اركان جمعية المصارف، إذ لمس هؤلاء قلقا لدى رئيس الحكومة من حال التشنج السياسي التي تسود البلاد وانعكاسها على الاداء الحكومي والمعالجات الجارية للملفات المطروحة.
وبقدر ما أعطى ميقاتي جرعة دعم وتقدير للمصارف ولدورها الاقتصادي والوطني، كان في حاجة الى تلقي جرعة مماثلة من الوسط المصرفي توفر له الزخم في المواجهة المرتقبة على الملفات المفتوحة وخصوصاً في ملفي الموازنة والكهرباء. وكما اكدت المصارف وقوفها الى جانب رئيس الحكومة في وجه اي زوبعة سياسية او اقتصادية على خلفيات انفاقية او ضريبية، انتزعت منه وعدا بألا تطاول القطاع اي ضرائب مقترحة من شأنها أن تقلل جاذبية استقطابه للودائع، متمنية أن ينجح رئيس الحكومة في فصل التشريعات القانونية عن مشروع الموازنة.  

السابق
السفير: أقلية إخوانية في الميدان … والجيش يعد بكشف حقائق ما قبل 25 يناير
التالي
الاخبار: مجلس الوزراء أرجأ بحث أزمة الكهرباء إلى جلسة الموازنة!