العريضي: القرار ليس بيد حزب الله

من أبرع من غازي العريضي في نسج خيوط مراحل ذهبية مضت بين وليد جنبلاط والسوريين. ومن ابرع من الرجل في تبرير اتساع مسافات القطيعة على خط المختارة ـ دمشق. وزير كل العهود جاهز لأي دور ولأي مرحلة. لا يتذكر آخر مرة اجتاز فيها «الخط العسكري» ليلتقي معاون نائب الرئيس السوري اللواء محمد ناصيف («أبو وائل»). الأمر بات مجرد تفصيل صغير امام الحدث السوري الكبير. مذاك تحوّلت وجهة سير وزير الأشغال. يجلس بالقدر المتاح مع «الاخوان» في «حزب الله» مسوّقا شــعار «وليــد بيك»: الاستقرار اولا وشرطه الأول والأخير منع الفتــنة السـنية الشيعية.

بشيء من «العصبية الزائدة» يحمل على من يشوّش على زيارة النائب وليد جنبلاط الأخيرة الى الدوحة، مستغربا بعض الخطابات التي تصوّر قطر كدولة «متآمرة». «من 2006 الى العام 2011، مرحلة من العلاقات الاستثنائية جمعت الدوحة مع النظام السوري ومع «حزب الله» وفريق من اللبنانيين. لم نقل كلمة واحدة في الدوحة وامير قطر تقاس بما قيل من قبل الاخرين. وانا أسأل هل القواعد الأميركية العسكرية نشأت البارحة في قطر؟ ألم يكن هناك لقاءات بين قطر ومسؤولين اسرائيليين؟ وألم تعقد مؤتمرات في الدوحة شارك فيها اسرائيليون؟ الم يكن هناك من دور قطري على المستوى الاوروبي والغربي استفاد منه كثيرون بمن فيهم سوريا؟ فما الذي تغيّر اليوم؟ موقف قطر هو الذي تغيّر. أهذا يعني انها لم تكن عميلة وهي اليوم باتت عميلة؟ وهل من المشروع لك ان تبني افضل العلاقات مع قطر وانت تعلم ان لها علاقات مع اسرائيل وانا ممنوع عليّ ان احكي مع القطريين؟». يضيف العريضي «لا بد من اعتماد معيار واحد. لا يجوز ان اقول انا الصحّ في كل المراحل. وان احدّد من الصحّ ومن الخطأ. هذا منطق غير جائز».

لا «دفتر شروط» لعبور رئيس «اللقاء الديموقراطي» مجددا نقطة المصنع. الاولويات مرتّبة جدا في ذهن «كبير خبراء» الملف السوري. «ليس المهم العلاقة بين دمشق والمختارة. المهم ما يجري في دمشق. حاولنا ان لا تصل الامور الى الحد الذي وصلت اليه، لكن لسنا نحن في موقع القرار في سوريا. هذا الامر تقدّره القيادة في دمشق، تماما مثل ما يقدّر السوريون الذين يتحركون في الشارع طبيعة تحركهم». التعاطي مع وقائع ما حصل في سوريا ادى الى هذه القطيعة، يقول العريضي. «اذا القصة ليست اللقاء بيننا مجددا، بل بين السوريين انفسهم، واللقاء بين اللبنانيين لتلقف نتائج ما يمكن ان يحدث في سوريا لاحقا. هناك اسباب للقطيعة لم تعالج حتى الان، ولن تعالج في ظل هذه المواقف وما يجري في دمشق».

يشير العريضي الى «تكامل تام» بين قراءة وليد جنبلاط لما يحدث في سوريا وما يفعله في لبنان. قبل «الزلزال» السوري طرحت عدة ملفات شائكة بين «حزب الله» و«الاشتراكي». يشرح قائلا «قد تكون من المرات القليلة التي يحصل فيها نقاش صريح وعميق بين قوى اساسية متحالفة او صديقــة. ثم جاء الحدث السوري ليفرض نفسه. الفرق شاسع بين بداية الاحداث وما يجري اليوم، خصــوصا ان الازمــة تلامــس عامها الاول. في حوارنا مع «حــزب الله» وفي الجلسة الاخيرة التي جمعت بين السيد حسن نصرالله وولــيد جنبلاط جرى نقاش كل الامــور بصراحة. وعلى قاعــدة الاختلاف الكبير بينــنا وبين الحزب في الموضــوع السوري والمحكمة الدولية (لم يكن قد حصل التمويل بعد) اتفقــنا على ان يبقى الحوار قائما بيننا وان لا يؤثر هــذا الخــلاف على العلاقة الثنائية».
 

لا تحـمل المخـتارة سيف النقمـة ضـد سـوريـا، لكنهـا تصرّ على الابقاء على مـساحة وسطية للتـفاهـم. جنبـلاط نفسه الخـبير في قطع «خـط الرجعـة» مع الاخصـام، يحذر اليـوم من «تفجـير» كل جـسور التـلاقـي بين اطـراف الـداخل. يقـول العريضي «هـناك فريـق يقـول اليوم ان النظـام السوري سيـسقط خلال اسبوعـين وسيؤدي ذلك الى تغيـير التركيبة السياسية. وظهر في عداد هذا الفريق من حدّد هوية رئيس الجمهورية المقبل واي حكومة ستتشكّل. وفريق آخر ملتصق بالنظام التصاقا تاما ومستعد لاي شيء للدفاع عنه. لكن اين لبنان من هذه الحفلة؟ اذا تطوّر الخلاف السني العلوي في سوريا، وهذا ما حذرنا منه منذ البداية، فسينعكس حتما صـــراعا سنيا شيعيا في البلد. هنا يأتي التكـــامل في مواقفنا، نحن نجهد للابقاء على مســاحة للتفــاهم والنقاش، وتحت هذا الســقف نقف ضد كل محاولات التدخل في الاتجاهين».

العشاء في منزل الوزير العريضي، في تلة الخياط والذي سبقه عشاء في منزل الوزير حسين الحاج حسن، أتى ضمن تكريس منظومة التفاهم السياسي على عدة مستويات استكمالا للقاء السيد نصرالله وجنبلاط. لكن العريضي لم يتوقف اصلا منذ «لقاء الضاحية» عن التواصل مع قيــادة «حــزب الله». تواصل يومي ونقاش ســياسي في كل الملفات من ايران الى ســوريا مرورا بالعراق وفلسطين وصولا الى الحكومة وأدائها.
«سلّة» مواقف جنبلاط من سوريا والمحكمة الدولية لم تنعكس حتى الساعة ليونة في الموقف السعودي من المختارة. هل هذا يعني ان الرياض لم تغفر بعد ما اقترفته خيارات «البيك»؟.
العلاقة حاليا في حالة جمود يبرّرها العريضي «بقرار المملكة الانكفاء منذ فترة عن التعاطي بالشأن اللبناني». لكن وزير الاشغال يتحدث عن «تواصل، لا يرتقي الى مستوى التنسيق، وعن حوار هادئ عبر قنوات متعددة. الامور طبعا مختلفة عن المرحلة الــسابقة. آخر زيــارة للرياض كانت للتعزية بالامــير سلــطان بن عبد العزيز. وهناك صداقات بدأت شخصية وسابقة لعملي في الســياسة مع شخــصيات سعودية، ما تزال قائمة حــتى الساعة. لا انا ادرت ظهري ولا همّ أداروا ظهرهم. اضافة الى تبادل الاراء الدائم مع السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري».

العريضي من المشجعين لعودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان قبل الحادثة التي تعرض لها في جبال الألب الفرنسية وبعدها. «ولكن هذا قرار يعود له بالدرجة الاولى، ورأينا لا يقدّم ولا يؤخر». لكن هل من الممكن ان نرى جنبلاط في الصفوف الامامية مشاركا في ذكرى 14 شباط بحضور الحريري الذي وجّه اكثر من رسالة ايجابية الى جنبلاط في الفترة الماضية ؟ يجيب العريضي «هذه فرضيات. لا نعرف اذا كنا سندعى او لا. نحن كنا صادقين في مواقفنا مع الرئيس الحريري وهذا ما دفعه الى التأكيد بان جنبلاط لم يطعنه في الظهر. ربما تأخر هذا الكلام، لكن بالنهاية جرى توضيح الامور».
حكوميا، وعلى الرغم من الكباش العلني الذي خاضه العريضي مع اكثر من فريق في مجلس الوزراء، يتحدث وزير الاشغال عن «انجازات هي بالاساس نتاج جهد تراكمي لحكومات سابقة خصوصا من ايام الرئيس رفيق الحريري واستمرت حتى حكومات السنيورة». هي انجازات «لا تستثمر بشكل جيد»، يقول العريضي. على رأسهــا سدّ الليطاني وصدور قانون النفـــط والمراســيم التطبيقية لانشاء هيئة ادارة البــترول، تجاوز مسألة تمــويل المحــكمة، اقرار آلية تطبيق خطــة الكــهرباء الــتي اقرت ايام الرئيس رفيــق الحريـري، ومرسوم الاجور…

في ثنايا هذه الانجازات حضرت الاعتراضات الجنبلاطية بسبب حالة الارباك والادارة الخاطئة لبعض الملفات. يسأل العريضي «ماذا فعلنا في مرسوم الاجور؟ لقد عدنا الى اتفاق بعبدا. نصف عمر الحكومة مرّ وهي تناقش موضوع السلف. سبق واعترضت على هذا الامر. وتبين لاحقا ان الموضوع ليس شخصيا وليست قصة سياسية عند «الحزب الاشتراكي»، بل كل الحكومة تشكو من هذه المسألة. فلماذا استهجنوا ما قاله غــازي العريضي يومها»؟.
يعـترف وزير الاشـغال بوجـود «افكـار اصـلاحية» لدى ميشـال عـون، «لكن المشـكلة ليـست في الارادة بل في في الادارة الخـاطـئة. لا يمـكن فصل الادارة عن الارادة. لا يستطـيع احد ان يقـول هذا مشـروعي وامشـوا به، ولا احد يجب ان يكون اسير رأيه. الاندفاع غير المحسـوب يؤدي الى مشكلـة. والاخطر ان ينطلق اي فريق من نقطة اللاعودة. في مسـألتي الكهرباء والاجور مثلا تم الاتفاق اخيرا على ما كنا نناقشـــه في البداية. فلماذا تضييع الوقت؟ حـتى في موضوع الرئيس نجيب ميقاتي شخـصيا. لوّحوا بالاستـقالة، لا هم استقالوا ولا دفعوا ميـقاتي الى الاسـتقالة، بل تمسـكوا به لان لا بديل عنه».

و«لمن يهمّه الامر» يعلنها غازي العريضي بكل ثقة. «من الآخر… لا قانون انتخابات الان. حتى لو مرّ في الحكومة فلن يمرّ في مجلس النواب». يضيف «القانون هو نتاج تركيبة سياسية ومن يمسك بالقرار السياسي. لا احد يمسك الان بالقرار السياسي، ولا علاقة للامر بالوضــع في سوريا، لان المسألة بحت داخلية». اذا هذا يعني ان «حزب الله» اليوم غير ممسك بالقرار السياسي؟ يجيب العريضي «نعم هذا صحيح. لو كان القرار السياسي بيد الحـــزب، لما كــان مرّ تمويل المحكمة «الاسرائيلية الامـــيركية» كما يصــفها الحزب، ولأمــكن له فرض شــروطه من قضية العقوبات على ايران والموقف من سوريا وصولا الى التعيينات…».
غازي العريضــي اليــوم الى مطــار القليــعات، غداة قرار مجلــس الوزراء بتفــعيل هذا المرفق في توقــيت ترك وراءه الكثير من الأســئلة. لننتظر ما سيقوله العريضــي من هنــاك، في سياق سيؤدي الى واحد من احتمـــالين، أولهـــما المضــي بالقرار أو تجميده وصولا الى طيه، في ظل أرجحية سياسية للخيار الثاني.

السابق
نحّاس لن يستقيل:معركة الإصلاح مستمرّة
التالي
مراقبة عربية مؤلمة