علي فضل الله: لتنفيذ قرار الأجور بعد ولادته القيصرية

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"لا يزال العالم العربي والإسلامي يعاني دوامة عدم الاستقرار والاضطراب الأمني والسياسي، رغم المشهد الانتخابي في بعض الدول التي حصلت فيها الثورات، كما في مصر وتونس، وخروج المحتل من أرضه كما في العراق. فلا يزال العراق عرضة للتفجيرات الوحشية التي طاولت في الأيام السابقة زوار الإمام الحسين في البصرة وبغداد والحلة ومدن أخرى، والتي حصدت المئات من الضحايا البريئة، هذه التفجيرات التي تريد من خلالها الجهات التكفيرية أن ترسم مشهدا انقساميا في الأمة، وتزيد من الاحتقان المذهبي والطائفي فيه. وفي الوقت نفسه لا يزال المشهد السياسي العراقي على حاله من التعقيد الداخلي الذي يلتقي مع تدخلات خارجية تريد الدخول على خط الساحة العراقية مستفيدة من الصراعات الداخلية فيه".

اضاف: "إننا نشعر بخطورة ما يجري عندما لا نلحظ إدانة صريحة وواضحة لعمليات التفجير الوحشية التي تستهدف المدنيين والمؤمنين والأطفال والنساء، والتي لم تقف عند حدود العراق، بل أصبحنا نراها في باكستان وفي بلدان أخرى، وبحيث صرنا نشعر بأن الحسابات السياسية المعقدة باتت تتحكم بالمواقف، حتى وإن كانت المسألة حاسمة وواضحة تماما، وخصوصا في قتل النفس التي حرم الله".

ودعا "الشعب العراقي وكل المسؤولين فيه إلى وعي المخاطر التي تترتب على أي صراع مذهبي يسعى البعض إلى تسويقه ليكون العراق مجددا ساحة للفتنة. نؤكد أنه على المسؤولين العراقيين أن يعوا مسؤولياتهم في العمل سريعا، من أجل حل الوضع السياسي المتفاقم في العراق في أسرع وقت ممكن. إن هذه الدماء الزكية تستحق من كل الذين يديرون الواقع السياسي في العراق، أن يبتعدوا عن كل الحسابات الطائفية والمذهبية والسياسية لحساب استقرار أمن هذا البلد العزيز والنهوض به، بعد كل المعاناة التي عاناها إبان النظام البائد والاحتلال الأمريكي، وأن يدركوا أن لا خيار لهم سوى الجلوس إلى طاولة المفاوضات. فليجلسوا عاجلا لا آجلا، حتى يخففوا المعاناة عن هذا الشعب، حيث لا أمن بلا حل سياسي، ولا استقرار من دون حوار موضوعي هادئ يصل إلى نتيجة".

وتابع: "أما سوريا، التي لا يزال نزف الدم فيها مستمرا، وحيث تتفاقم الأمور في ظل حديث من داخل الجامعة العربية عن رغبة باستقدام قوات عربية تضمن الأمن وتساهم في عودة الهدوء، فإننا في الوقت الذي نثمن كل جهد عربي يعمل على إيقاف نزيف الدم والقتل، ويعيد الاستقرار إلى هذا البلد العزيز، نتساءل عن عملية هذا الاقتراح في ظل تعقيدات الوضع السوري الداخلي والخارجي، وعن الجدوى من طرحه".

ودعا "الجامعة العربية إلى أن تتابع دورها وتعمل بكل جهد على دراسة أفضل السبل لجمع الأطراف وحل الإشكالات والاستفادة من موقعها لدى كل الأفرقاء، وعدم طرح حلول غير واقعية، ليصار بعد ذلك إلى الحديث عن استنفاد الحلول العربية، والحاجة إلى الحلول الدولية التي لن تكون لمصلحة العرب ولا لمصلحة سوريا".

اضاف: "وبالمناسبة، كم كنا نتمنى أن يكون هناك اقتراح لإرسال قوى عربية إلى غزة، في إطار حمايتها من الغارات الصهيونية، ولمنع تهويد القدس، ولحماية المسجد الأقصى ومنع الاستيطان، ولحماية الفلسطينيين في قلب الضفة الغربية الذين باتوا عرضة للاعتقال اليومي، ولن يكون آخرهم رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، فالجامعة العربية معنية بالقضية الفلسطينية، حتى لا يستفرد الكيان الصهيوني بالفلسطينيين لسوقهم إلى مفاوضات شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع، ففلسطين هي جزء من هذا العالم العربي، لا بل هي جزء رئيسي، وعليهم أن يتعاملوا معها وفقا لما أوصانا به رسول الله: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر".

وتابع: "أما البحرين، الذي لا يزال يعيش المعاناة، وسيبقى يعيشها ما دامت الحكومة فيه لا تعمل على الوصول إلى حلول جذرية، فإن الإصلاحات الدستورية الشكلية فيه لن تكون السبيل لخروج هذا البلد من أزمته التي يتخبط بها منذ ما يقارب السنة، بل إن المطلوب حوار جدي مع القوى الفاعلة في البحرين، يتحرك من منطلق وطني، بعيدا عن الحسابات المذهبية والطائفية، أو اتهام الشعب بالتحرك ضمن أجندة خارجية. ولطالما أكد هذا الشعب حرصه على بلده، فهو لا يريد لبلده إلا الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية، والانفتاح على محيطه العربي والإسلامي، وهو حريص على استقلال هذا الوطن كحرص الآخرين أو أشد حرصا".

وقال: "نشير إلى ما يجري في اليمن، هذا البلد الذي لا يزال يعاني من التسويف في إيجاد حل لأزمته، في الوقت الذي نخشى من إثارة اللاعبين فيه الفتنة المذهبية والطائفية والقبلية فيه، كما يحصل الآن، ونؤكد أنه على كل الأطراف في هذه الساحة، أن يعملوا لوأد الفتنة التي يراد لهذا البلد أن يغرق في أتونها، ويمكن أيضا أن تمتد إلى أمكنة أخرى في العالم العربي".

اضاف: "أما لبنان، فقد كان في الأيام الأخيرة محط أنظار العالم، حيث استقبل الأمين العام للأمم المتحدة، الذي لم يلتفت إلى معاناة اللبنانيين من العدو الصهيوني الذي لا يزال يهدد ويتوعد، ولا تزال طائراته تخترق الأجواء اللبنانية، وعملاؤه يعبثون بأرض هذا الوطن الصغير، كما لم يلتفت إلى استباحة الكيان الصهيوني للحدود البحرية اللبنانية مانعا لبنان من الاستفادة من النفط والغاز، لهذا لم يوجه رسالة حاسمة إلى الكيان الصهيوني بضرورة الالتزام بتطبيق بنود القرار 1701، بل كان تحذيره من خطر وجود سلاح المقاومة الذي لم يوجد إلا للدفاع عن هذا البلد وحمايته من غطرسة هذا العدو ومشاريعه على مستوى المنطقة، وكم كنا نتمنى من أمين عام الأمم المتحدة أن ينظر بعينين مفتوحتين لا بعين واحدة، وأن يبدي الحرص على الشعوب العربية، وخصوصا الشعب الفلسطيني ومعاناته من الكيان الصهيوني".

وتابع: "إننا في الوقت الذي نسجل للمسؤولين اللبنانيين إثارتهم أمام الأمين العام للأمم المتحدة لتنصل العدو من القرارات الدولية وضرورة إبقاء الأمم المتحدة لحماية شعوب المنطقة من المستكبرين، لا لضمان إطباق المستكبرين على الشعوب، فإننا نؤكد عليهم أن يكون الموقف واحدا في كل ما يتصل بسيادة البلد وأمنه وحفظ مواقع القوة فيه ومنع كل المؤامرات التي تحاك ضده تحت أي عنوان من العناوين".

اضاف: "وفي المقابل، فإن أمام الحكومة الكثير من الملفات التي ينبغي التعامل معها بمسؤولية أكبر، وأن لا تضيع وسط التجاذب السياسي الذي تعاني منه هذه الحكومة، وندعوها إلى الجدية في وضع قرار تصحيح الأجور موضع التنفيذ بعد الولادة القيصرية له، والتعامل مع بقية الملفات الاجتماعية والمعيشية بروح المسؤولية العالية، كموضوع الكهرباء والمازوت والأمن الاجتماعي".

واشار الى ان البناء الذي انهار على العائلات المستضعفة في منطقة الأشرفية، اظهر "مدى ما يعاني منه البلد، وبين أن المشكلة هي مشكلة عميقة تتصل بعدم التخطيط في هذا البلد وعدم الجدية في التعامل مع قضايا الناس الملحة، وكل ما يتصل بمستقبلهم ويتهدد حياتهم، بحيث يكون دور الحكومة هو الوقوف على الأطلال بعد حدوث الأزمات من دون توقيها ومنع حصولها، بحيث يطرح السؤال: من المسؤول في هذا البلد؟ وهل هناك حكومات في هذا البلد، أم أنها واجهات لطوائف ومذاهب ومواقع سياسية لا تفكر إلا في حجم طوائفها ومذاهبها، أو في حجم طموحاتها السياسية، أما البلد والإنسان فلهما رب يحميهما".

ودعا "الدولة والبلديات إلى ورشة عمل واسعة لتفادي أية كارثة أخرى، ولا سيما في ظل الحديث عن أبنية متصدعة هنا وهناك وجسور يخشى من وقوعها، إن حياة المواطنين مسؤولية كبيرة لا يمكن الاستهانة بها، فلا تكون هذه الكارثة التي حدثت كبقية الكوارث في هذا البلد لتستنفر الجهات السياسية لتصرح ثم تطوى في ملف النسيان انتظارا لكارثة أخرى".

وختم: "أيها المسؤولون، إن الذين يتحركون في المواقع الكبيرة ينبغي عليهم أن يكونوا حريصين على تثبيت الأرض وتثبيت الإنسان فيها، ولا يكون ذلك إلا بتأمين متطلبات العيش الكريم له ولأولاده، وإلا لن يمكن أن نطلب من الباحثين وراء لقمة العيش والذين يلاحقون حاجاتهم في الماء والكهرباء، ويواجهون أزمات البناء وكوارثه وزحمة السير والقلق على المصير أن يكونوا في خط مواجهة التحديات التي تنتظر الوطن، بل في خط البحث عن حاجاتهم التي تستغرق جهودهم وأعصابهم والحيوية فيهم، وقد تجعلهم يائسين، ونحن نعرف إلى ماذا يؤدي اليأس على مستوى الإنسان والوطن".  

السابق
الخطاب الديني اسير قبضات لا تدري وجهه ولا وجهته
التالي
سعيد: كلام سليماني عن النفوذ الايراني جنوبا مرفوض